آخطأت وزارة الصحة .. أم أصاب الهواري؟.

 آخطأت وزارة الصحة .. أم أصاب الهواري؟.

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة 

ساء كل مواطن أردني ما يجري على الساحة اليوم حول لائحة أجور الأطباء ٢٠٢٤ التي صدرت في الجريدة الرسمية والتي بعد أن صدرت بمدة قصيرة لم تتجاوز الشهر صدر قرار الدكتور فراس الهواري بإلغاء هذه اللائحة والعودة إلى لائحة أجور ٢٠٠٨.

وهنا لن نسكت فقط .. بل نسكت ونتأمل قليلا مايجري في ضوء التصريحات التي تجري وجرت بين نقيب الأطباء ووزير الصحة.

وزير الصحة يؤكد أن لائحة أجور ٢٠٠٨ أصبحت مجحفة في حق الأطباء بعد مرور ١٦ عاما عليها، ولابد من مراعاة حجم التضخم الذي جرى ويجري منذ ذلك التاريخ.

لكنه في نفس الوقت -أي وزير الصحة- يؤكد على أن أي تعديل على اللائحة لابد أن يتم دون المساس بأمن المواطن الأردني المالي، خاصة أن الزيادة المقترحة من نقابة الأطباء على اللائحة كانت كبيرة جدا في نظر كافة المراقبين.

وانتصارا لجيب المواطن بالدرجة الأولى ثم لحق الطبيب الأردني رعت وزارة الصحة اجتماعات متتالية بين كافة الأطراف المعنية للوصول إلى لائحة أجور ترضي كافة الأطراف.

الهواري يؤكد وبالوثائق المدعمة التي لديه أن مخرجات هذه الرعاية وهذه الاجتماعات كانت لائحة متوافق عليها من الجميع وعلى رأسهم نقابة الأطباء.

فماذا جرى ؟ .. ترفع اللائحة من قبل النقابة من خلال وزارة الصحة لتعرض على لجنة التنمية الاقتصادية في رئاسة الوزراء ليتم صدورها في الجريدة الرسمية.

الملفت للنظر أن الهواري يؤكد أن من قام بتفريغ اللائحة - التي تحوي آلاف الأجور ومئات الصفحات - هم نقابة الأطباء أنفسهم.

فما الذي جرى بعد ذلك؟

بكل تجرد نحن نتحدث عن ثقة مطلقة واضحة بين وزارة الصحة ونقابة الأطباء وهي الثقة التي لا أحد يشكك في ضرورة وجودها، بدليل عدة أمور:

- اللائحة التي رفعت من النقابة إلى وزارة الصحة لم تراجع من قبل المعنيين بالأمر سواء في الوزارة أو حتى لدى شركات التأمين.

- نقابة الأطباء نفسها هي من قامت بتفريغ اللائحة في الجريدة الرسمية.

- لم يقم أحد بالاعتراض على ما نزل في الجريدة الرسمية، بل أكاد أجزم أن أحدا لم يقم بالتدقيق في التفاصيل المنشورة يقينا منهم أنه عين ماتم التوافق عليه.

لتكون المفاجأة التي لم تخطر على بال أحد من الشركاء والمعنيين وهي أن ماتم نشره ليس هو ماتم التوافق عليه !!!

 هل أخطأت شركات التأمين وأخطأت وزارة الصحة أم هو خطأ نقابة الأطباء ؟

بالطبع ليس هدفي هنا هو تحديد من هو المخطيء بقدر تحديد من المستفيد والخاسر من وراء استمرار هذا الخطأ ؟

قطعا المواطن الأردني هو الخاسر الأكبر جراء استمرار العمل بهذه اللائحة، ولذا كان موقف الدكتور الهواري حاسما حين أصدر قراره الفوري بإلغاء اللائحة والعودة للائحة ٢٠٠٨.

لنا أن نحتار فنقول: لماذا يحاول البعض التركيز على سؤال: إن كانت اللائحة غير صحيحة فلماذا قامت وزارة الصحة برفعها كما هي دون أي تعليق؟ ويتم ترك سؤال أهم وهو: إذا كانت اللائحة غير صحيحة فلماذا تم تقديمها من قبل النقابة؟ ولماذا لا يتم التراجع عنها؟.

في نظري المتواضع هناك محاولة تأزيم واضح للقضية .. وهناك من يسعى لدحرجة كرة الثلج والاستفادة مما يجري لضرب عدة عصافير بحجر واحد.

هل يدفع البعض صوب تأجيج الوضع لدفع صاحب القرار لحل نقابة الأطباء!

وهل البعض يدفع لافتعال أزمة تهز صورة الحكومة ممثلة بوزير الصحة عقب كم هائل من الإنجازات طوال فترة وزارته !! وبالتالي تشويه صورة الحكومة الحالية في آخر أيام فترتها الدستورية!!

وإلا فالخطأ الذي قام به بعض الموظفين في وزارة الصحة وفي رئاسة الوزراء والمسؤولين عن مراجعة وتدقيق كافة هذا النوع من المعاملات سواء كانوا ماليين أو قانونيين أو فنيين لايجب تحميله بأي شكل من الأشكال لوزير هنا او هناك !

لابد من القضاء على فكرة موظف يخطيء ووزير يطير ثم يبقى المخطيء مكانه! ولا يمكن استغلال عبارة الاستقالة الأدبية إلى ماشاء الله! في نظري أكذوبة الاستقالة الأدبية يجب أن تتوقف حتى تتوقف أي محاولات للإيقاع بالوزراء من قبل بعض الموظفين مرضى النفوس.

إن موقف الهواري في مؤتمره الصحفي الذي عقده أمام وسائل الإعلام يؤكد على شجاعة أدبية منقطعة النظير .. 

يبدو أن من حاول تمرير اللائحة بحلتها القديمة قامر على خشية الحكومة وخوف الهواري من إعلانه رفض اللائحة وأنها خلاف المتفق عليه .. 

ففي المفهوم الدارج عند من يعشقون الكراسي أن  المفترض والمتوقع من الهواري أن يفعل ما قام بطلبه نقيب الأطباء وهو الإبقاء على اللائحة الخطأ ومناقشة مافيها لحين الوصول إلى توافق حولها !!.

وتنفيذ هذا الطلب هو ما كان متوقعا أن يقوم به الهواري مسبقا قبل إعلانه! لأنه الأسلم لشخصه، وكان يستطيع أن يعلن أمام الجميع أن المعترضين على اللائحة مخطئون ويخرج بسلامته ضاربا المخالفين ومصلحة المواطن عرض الحائط!!.. 

لكن الهواري اختار الطريق الصعب والشاق والذي يحتاج لشجاعة منه .. وقد كان يعلم علم اليقين أنه بذلك سيجعل من نفسه هدفا لكافة الرماة من كل حدب وصوب ..وفعلا ورغم الشفافية العالية والمصداقية التي تمتع بها خطابه في المؤتمر الصحفي إلا أن البعض استثمر هذا العمل استثمارا سيئا حتى تم وسمه بوسم "الفضيحة الوطنية الكبرى" ..

شاهت الوجوه والله..فبدل أن يثمن الجميع هذا الموقف الذي انتفض فيه صاحبه لحق المواطن في حياة صحية آمنة .. أراد البعض أن يقتل فينا الشجاعة لقول الحق .. وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة العامة.

نعم لقد وقع الخطأ الذي كان أسه وأساسه الثقة المطلقة بين كافة الأطراف .. 

ماكان للنقيب مع احترامنا الشديد له أن يقوم بمخالفة محاضر اجتماع عليها توقيعه ومن معه من أعضاء النقابة لتحقيق مصلحة شريحة من المجتمع - لها احترامها - على حساب شعب بأكمله.

في نظري القاصر أنه قد آن للأردنيين جميعا أن يعلموا أن من ضحى بسمعة سيرة مهنية حافلة بالإنجازات بشهادة القاصي والداني لأجل أن لا تهتز جيوبهم وتزداد معاناتهم يستحق أن ترفع له ولحكومة وقفت خلف قراره القبعات.

حكومة كاملة تؤيد وزيرا فيها على شجاعته وانتصاره للمواطن تستحق منا الاحترام، وتزداد ثقتنا في أن جلالة الملك قد أصاب في ثقته وأخطأ المتربصون بها الدوائر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة