قراءة| لولبية الحصار المعلوماتي .. وسردية الفبركة الإعلامية لتسييج الرأي العام.

 قراءة| لولبية الحصار المعلوماتي .. وسردية الفبركة الإعلامية لتسييج الرأي العام.

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة.

""الرأي العام"" هذا المصطلح الذي كثيرا ما نسمعه ولم نسأل أنفسنا عن ماهيته وسبل تشكله! ..

لقد كان الرأي العام قديما يتشكل في الحكومات القديمة عبر انتقاله من مجتمع النخب السياسية العلوية ومن يحيط بهم من المقربين إلى مستوى من يطلق عليهم " العوام ".

بتعبير أدق : سيل يجري ويتدفق من علي.

اليوم وفي هذا العصر الرقمي .. عصر الذكاء الاصطناعي وما أدراك ماهو ! .. بتنا نرى شكلاً آخر لمصطلح الرأي العام!! .. 

لقد تغيرت قواعد اللعبة.. وبات هناك عملية تغيير لمكونات الوعي والثقافة المجتمعية .. ولم يعد انتقال هذا الوعي رأسيا ( عموديا ) بل صار ينتقل أفقيا .. وبين الجماعات الإنسانية دون أي سيطرة !.. انتقال سلس وسهل وسريع .. وانتشار كانتشار النار في الهشيم .. ليطرح السؤال على الطاولة:

 من أين ولد هذا الرأي العام؟ وكيف تكون؟ ومن حمله وأذاعه ونشره؟. وكيف تم السيطرة عليه؟! لدرجة تم التلاعب برؤى مجتمعات بأكملها !!!.


" البيئة الرقمية " هي كلمة السر للإجابة على جملة هذه الأسئلة!

بيئة أسست لسرديات لا أساس لها من الصحة فتلاعبت بعقول أفراد المجتمع عبر سنين طويلة مستغلة انتشار الجهل وانعدام الوعي عند الكثير من أبناء المجتمع.

 ولتبدأ حالة معاناة حقيقية بين النخب التي باتت أسيرة لتوجهات العامة وما يؤمنون به .. ومن تجرد من هذه النخب وصرح بالمخالفة احتراما منه لعقله وفكره فقد حكم على نفسه بالهوان.

بيئة رقمية .. وحرب إعلامية تستخدم فيها كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لتأمين سرديات مفبركة لا أساس لها من الصحة.

لن يجادلني أحد - فيما أظن - في أن البيئة الرقمية اليوم بكافة أشكالها ومحتواها هي التي تصنع الوعي المجتمعي الأخلاقي والسياسي والاجتماعي، وتتحكم في سيل المعلومات إليه -غير المراقب ولا المنضبط - لتنتج " الوهم " في قالب "الحقيقة".


الأخبار والوقائع تصنع .. والبيانات تفبرك .. و الأحداث تزيف وتركب سياقاتها .. ومابين المبالغة والتهويل للمواقف التافهة، والتقزيم والتسخيف للأحداث والمنجزات المذهلة أو حتى اخفائها وكتم أمرها .. تضيع بين هذا وذاك وتفسد أعظم الموازين الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية.

حراسة الرأي العام اختفت ولم يعد ثمة حراسة .. ولم يعد بالإمكان الرقابة على صناعة المحتوى الرقمي .. فكل من شاء يكتب ماشاء، ويحرف ما شاء، وينحرف من شاء الله له أن ينحرف! ففي النهاية الثبات والتوفيق نعمة من نعم الله على العبيد.


رحم الله أياما كان النموذج الإخباري محروسا، وإنتاج المحتوى محكوماً برقابة وحراسة تمنع العبث بمكونات الوعي المجتمعي، لتضمن رأيا عاما واقعيا حقيقياً.

كانت مجتمعاتنا العربية محافظة حتى غزتها تلك الحداثة المسخ فأحدثت تناقضا في تكوين وعي الفرد ثم المجتمع. ثم جاءت البيئة الرقمية المنفلتة من أي رقابة قانونية فاعلة لتحدث حالة من الضياع  وانعدام الثقة بمنتجات الواقع.

التراكمات التربوية والثقافية والأساس الفطري السليم أس لتكوين الرأي العام الناضج والصحيح .

وإذا تم العبث بذلك كله فباتت البيئة الرقمية هي التي تربي وتثقف، وتقصدت الفطرة السليمة فحرفتها وشوهتها! فعن أي رأي عام نحن نتحدث؟! رأي تم صناعة محتواه وهيكلته بمنتهى الخبث؟!.

بل حتى اذا سلم ذلك كله في مجتمع ما فسيعمد ساسة التضليل والكذب لمنهج لولبية الحصار المعلوماتي الذي يعتمد على مبدأ الحصار.. 

حصار الرأي العام وإحاطته بسياج من الأخبار المزيفة والكاذبة، وفبركة الأحداث والتحليلات لقلب الرأي العام.

وقد يسأل سائل: أين مؤسساتنا التربوية والأكاديمية من ذلك كله؟ وهل هي قادرة على إيجاد قوة ردع موازية تقي الرأي العام وتحفظه من بنيات الطريق ؟!

مؤسسات المجتمع يجب أن تتضافر جهودها لإيجاد سردية بديلة لتلك التي يحاول أعداؤنا صناعتها وبسرعة مخيفة. فنحن أمام حالة تغول لآلة الإعلام العالمي، أو حتى المحلي غير المنضبط والتي دمرت وأزاحت دولا وأمما بأكملها. ومسختها قيميا وأخلاقيا بجعلها حالة مستنسخة خالية من الأصالة القيمية، لتصبح أسيرة لتصورات الدول العظمى وتتكون صورة رأي عام مشوهة للشعوب المستهدفة.

نحن أمام جمهور يميل إلى الكسل في اختيار مصادر موثوقة في التلقي التثقيفي، بل واخر ما قد يهتم به هو التدقيق والتمحيص في مصدر المعلومة ! لذا باتت مهمة النخب وقيادات المؤسسات التعليمية صعبة جداً.


فهل ستستطيع إعادة الهيبة للرأي العام وإحاطته بسياج منيع يقيه الانحراف والضلال، ويعيده إلى حالة التفكير الحرفي والاستراتيجي؟!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة