قراءة| تأملات في سياسة الإعلام الإسرائيلي .
قراءة| تأملات في سياسة الإعلام الإسرائيلي ..
كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
الكثير منا سمع أو قرأ قصة الشخص الذي كان لديه خروف وأراد أن يبيعه، وكيف تآمر عليه أربعة لصوص كلما مر عليه واحد منهم قال له: لماذا تربط هذا الكلب وتقوده خلفك؟!!
حتى تأكد صاحب الخروف أنه يقود كلبا فعلا وليس خروفا فليس من المعقول أن يكون الأربعة الأشخاص كاذبين. فالتفت إلى اللص وقال له:
لقد كنت في عجلة من أمري فاعتقدت أن هذا الكلب خروف، فربطته لأذهب به إلى السوق لكي أبيعه، ولم يتبين لي أنه كلب إلا الآن، ثم فك وثاق الخروف وأطلق سراحه وعاد إلى بيته باحثا عن خروفه، فأخذ اللصوص الخروف وعادوا وهم منتصرون حين أقنعوا صاحب الخروف أن خروفه كلب.
إن هذه القصة توضح لنا مايجري على الساحة الغزاوية أمام العدوان الإسرائيلي وكيف كان أداء الإعلام الإسرائيلي الصهيوني.
نحن بحاجة إلى فهم أداء الإعلام الإسرائيلي الصهيوني في زمن الحروب الإسرائيلية الذي يبرر أفاعيله وأكاذيبه بكونها ضرورة أمنية، مخفيا أو ساترا حقيقة مفادها أنه لا يعرض إلا ما تمليه عليه الحكومة الإسرائيلية.
لقد تعلمت الحكومة الإسرائيلية من خلال حروبها الكثيرة على القطاع ومنذ حملتها العسكرية عام ٢٠٠٨ والتي اسمتها "الشتاء الساخن" والتي استمرت لمدة لم تتجاوز الأسبوع أن التغطية الإعلامية ستكون التحدي الأكبر الذي ستواجهه في أي مواجهة لاحقة. لذلك قامت بتكوين ما أطلقت عليه "هيئة الإعلام القومي" والذي كان دورها يتلخص في نقل مجريات اي حملات عسكرية على قطاع غزة أمام وسائل الإعلام والسياسيين من خلال التنسيق مع سكرتير الحكومة وقوى الأمن المختلفة.
لقد اعترف رئيس هذه الهيئة وبكل صراحة أن المواد الإعلامية التوضيحية، والمقابلات والرسائل كانت قد أعدت سلفا، وأنه لن يحل محل الناطق باسم خارجية أو جيش إسرائيل بل يساعد وينسق ليكون حديثهم في خط واحد .
لم تكن ضراوة حرب الإعلام الإسرائيلي الصهيوني بأقل من ضراوة العدوان على غزة وشعبها، بل كان لها دور محدد يتركز في مدى قدرتها على إطالة أمد الحرب دون إعاقة أمريكية.
لطالما برع الإعلام الإسرائيلي الصهيوني في اللعب في المصطلحات المناظرة عبر إرسائه مفهوم أن شرارة بداية الحرب كانت في يد المقاومة ( والبادي أظلم ) متجاهلين مسلسل الانتهاكات للجيش الصهيوني ولقطعان المستوطنين والحصار الخانق وإغلاق كافة المعابر والحدود.
ولم تكن براعته تلك بأقل من براعته في ترسيخ صورة نمطية لصالح دولة الكيان الإسرائيلي تتمثل في إنسانية هذا الكيان وإظهار مدى معاناة الشعب اليهودي في فلسطين جراء صواريخ المقاومة.
ولسنا ندري أين هي هذه الإنسانية المزعومة وكيف تلتقي مع أنين المرضى الفلسطينيين لقلة الأطباء وندرة العلاج، ناهيك عن معاناة شعب بأكمله في اكبر سجن مفتوح في العالم اسمه (غزة).
بل وصل الأمر إلى أن نجح هذا الإعلام من خلال معالجات مطولة لبعض الشعب الإسرائيلي الخائف من الصواريخ الفلسطينية، وبالمقابل تقليل مساحات معاناة الشعب الفلسطيني والحديث عنها كمجرد أرقام لأضرار جانبية.
والمتابع لهذا الشأن يلحظ وبكل وضوح حرص الماكينة الإعلامية الإسرائيلية الصهيونية على الدعاية من خلال ظهورها في أي مكان مرددة نفس الشيء ولذا كانت تسعى لاستخدام أشخاص يتقنون اللغة الإنجليزية بل في الغالب اختيارهم من مواليد الغرب ليسهل عليهم بث ماتريد إسرائيل أن تبثه خلال مجتمعات غربية كاملة، مع التركيز على إلقاء كافة الخصوم في بحر من الخلاف والحرص على إغراقهم فيه.
لقد شاهدنا أمرا عجبا يجري على يدي هذه الآلة الإعلامية الصهيونية التي لم تعط فرصة للخصم من خلال الربط بين الحملة الإعلامية والمواقف السياسية لنرى تكاتفا للكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض والمتحدث باسم إسرائيل.
لن ننسى ذلك الإمعان في إنكار الحقائق ورمي الخصم باللائمة حين تنكر الماكينة الإعلامية الإسرائيلية الصهيونية أن يكون هناك أي يد لإسرائيل في قتل المدنيين الفلسطينيين العزل وتقديم حجة سمجة مفادها: هم الذين دفعونا لفعل ذلك !!!.
ومتى لم تفلح كل أساليبهم تلك لجأوا إلى ملجأ أخير يتمثل في رفع سلاح معاداة السامية.
ذكرت جريدة أوبزيرفر البريطانية بداية ٢٠٠٩ أن الحكومة الإسرائيلية بادرت مع بدء العدوان على الشعب الفلسطيني إلى إنشاء إدارة خاصة للتأثير على وسائل الإعلام المختلفة برئاسة دان جيلرمان السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة بالتعاون مع ممثلين عن وزارتي الدفاع والخارجية ومكتب رئيس الوزراء، والأجهزة الأمنية التابعة للشرطة والجيش.
حتى أنه وبمجرد بداية العدوان على الشعب الفلسطيني انطلقت المدونات الإلكترونية ومجموعات الضغط والدبلوماسيين وكافة المؤيدين للحكومة الإسرائيلية بإغراق كافة وسائل الإعلام بسيول من رسائل تم إعدادها بدقة هدفها تبرير العدوان والدفاع عنه.
رغم كل التطور الذي شهده قطاع الإعلام الإسرائيلي في الشؤون السياسية إلا أن الجانب الأمني في النهاية هو الذي يفرض صوته وبالقوة، والمبرر هو الأمن الوطني للكيان.
لقد كانت هناك موضوعات تعد خطا أحمرا أمام الصحافة الإسرائيلية حتى لو نشرتها الصحف العالمية كخطف الجنود ومقتلهم، والخسائر البشرية، وأماكن السقوط لصواريخ المقاومة.
بل كانت السلطة العسكرية تتدخل أحياناً كثيرة لمنع نشر تقرير صحفي أو إذاعي بحجة مساسه بالأمن الوطني الإسرائيلي.
بل إن الرقيب العسكري صرح أنه يتعامل في جبهة القتال مع الإعلام الإسرائيلي على أساس أنه عدو.
ولو دققنا النظر في الإعلام العبري أثناء عدوانه السابق على غزة لوجدنا أن ثمة تلافيا لظهور صور الجيش الإسرائيلي وجنوده على الإعلام الإسرائيلي لأن هذه المشاهد قد لا تعجب شعوب الغرب وما وراء البحار.
لم نعرف وسائل الإعلام الإسرائيلية في حروبها السابقة وعدوانها على غزة والضفة الغربية أنها قامت ببث كلمة أو خطابا لقيادات المقاومة الفلسطينية ! لما لها من أثر سلبي على الشعب الإسرائيلي، أو مثلا قامت ببث أشرطة مسجلة لمنفذي العمليات من الشبان الفلسطينيين ! بل لاحظنا عملية تسويق ممنهجة لمصطلحات أصبحت جزءا من القاموس الإعلامي للحكومة الإسرائيلية خلال تغطيتها لاي عدوان .. كاستخدام لفظ ( المخربين بدل الفدائيين ) و ( الفلسطينيين بدلا من الشعب الفلسطيني)، و (السكان بدلا من المستوطنين )، و( البلدات والأحياء بدلا من المستوطنات)، و(أعمال هندسية ذات طابع أمني بدلا من تجريف الأراضي الزراعية) و ( عمليات إحباط موضعي بدلا من عمليات تصفية واغتيال) و ( العمليات الوقائية بدلا من عمليات التوغل و الاقتحام للمدن ).
لقد كان لهذا التلاعب في المصطلحات اثر بارز في غياب سؤال كان يتردد سابقاً عن دائرة العنف في الشرق الأوسط ! أو حول مسؤولية الطرفين! أو حلقة الإرهاب ! أو الصدامات بين الجانبين! أو المواجهات بين المسلحين !.
بل غدا الإعلام في بعض الدول العربية رديفا مهما في توجيه دفة العمل الشعبي بشكل يخدم آلة الإعلام الإسرائيلي والذي من شأنه إثارة البلابل والقلاقل في تلك الدول بعينها أو بجاراتها من خلال اللعب على العواطف مستغلين جهل الناس بآليات عمل الإعلام الغربي عموما والإسرائيلي خاصة، ليخربوا بيوتهم بأيديهم.
لقد لاحظنا خروجا عن المألوف في إعلام المحتل الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى لدرجة أنه بث مالم يكن يوما مسموحا ببثه !! بل ثمة تصريحات عن مجريات في ساحة المعركة تعطي انطباعا بضعف هذه الآلة العسكرية و الحربية وحتى ضعف جنودها !! مثيرين بذلك حيرة لا تكاد تنتهي، وسؤالا مفاده: منذ متى تخلص الإعلام الإسرائيلي من رقابة العسكر؟ وماذا يدبرون؟.
تعليقات
إرسال تعليق