القرار الاستراتيجي لاتخاذه أنماط .. فما هو النمط المناسب لك لصنع هذا القرار؟

 

مع نمو المنظمات بشكل أكبر وأكثر تعقيدًا، ومع وجود بيئات غير مؤكدة، تصبح القرارات معقدة بشكل متزايد ويصعب اتخاذها. وتعد السمة المميزة للإدارة الإستراتيجية هي تركيزها على اتخاذ القرارات الإستراتيجية. وتختلف القرارات الإستراتيجية عن القرارات الإدارية والتشغيلية. فالقرارات الإدارية هي قرارات روتينية تساعد أو تسهل القرارات الإستراتيجية أو القرارات التشغيلية. و القرارات التشغيلية هي قرارات فنية تساعد في تنفيذ القرارات الإستراتيجية. فتخفيض التكلفة هو قرار استراتيجي يتم تحقيقه من خلال القرار التشغيلي المتمثل في تقليل عدد الموظفين، وكيفية تنفيذ هذه التخفيضات سيكون قرارًا إداريًا.

تقوم المنظمات الناجحة بتعيين مدير لا يقوم فقط بالعثور على المنتجات وبيعها لكسب المال، بل يفكر في الفرص الكبيرة والأشياء الكبيرة التي سترفع المنظمة وتأخذها إلى حيث تستحق أن تكون. يعلم كيف يتخذ القرار الاستراتيجي، والذي يتخذه وفقًا لاحتياجات المنظمة ورؤيتها.

والسؤال المهم هنا: ما هو الإطار الاستراتيجي المناسب لصنع القرار والذي يمكن أن يساعد الأشخاص على اتخاذ هذه القرارات بغض النظر عن مستواهم ووظيفتهم في المنظمة؟. وياترى ما الذي يجعل هذا القرار استراتيجيا دون ذاك؟.

على عكس العديد من القرارات الأخرى، تتعامل القرارات الإستراتيجية مع مستقبل المنظمة الطويل المدى، ولذا تجد أن من أهم ما يميز القرارات الاستراتيجية أنها نادرة، وغير عادية، وتجدها عادةً ليس لها سابقة تتبعها. بالإضافة إلى أنها قرارات تلتزم بموارد كبيرة وتتطلب قدرًا كبيرًا من الالتزام من الناس على جميع المستويات. بل إن من الخصائص المميزة لهذه القرارات أو لمتخذها أنها قرارات حاسمة، وأصحاب هذا النوع من القرارات يفضلون اتخاذ خيارات سريعة وحاسمة بناءً على معرفتهم وخبرتهم. وعادةً ما يحدد صانعوها إيجابيات وسلبيات الموقف بناءً على ما يعرفونه بالفعل. فهم أشخاص عقلانيون للغاية، ولديهم درجة منخفضة من التسامح مع الغموض. وتتجذّر قراراتهم التوجيهية في معرفتهم وخبرتهم ومنطقهم، بدلاً من الذهاب إلى الآخرين للحصول على مزيد من المعلومات. لذا فالجانب الإيجابي لهذا الأسلوب هو أن اتخاذ القرار يكون سريعا، والملكية واضحة، ولا يتطلب المزيد من التواصل. ومع ذلك، فإنه وفي بعض الأحيان يمكن اتخاذ القرارات التوجيهية المباشرة بشكل متهور، دون الحصول على جميع المعلومات اللازمة.  لذا يحتاج القائد هنا إلى استشعار الموقف، وتصنيفه كسيناريو يستدعي اتخاذ قرار مباشر والاستجابة بشكل مناسب. وفي النهاية فإن مهمة القائد أن يفهم متى يكون التواصل التفاعلي المكثف غير ضروري وأن يتخذ قرارات مباشرة بناءً على المعلومات المتوفرة لديه بالفعل.

أحد الأمثلة على القرار الاستراتيجي الذي يتمتع بكل هذه الخصائص هو ذلك الذي اتخذته شركة Genen tech. وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية تأسست عام 1976 لإنتاج أدوية تعتمد على البروتين من الجينات المستنسخة. وبعد زيادة المبيعات إلى 9 مليارات دولار والأرباح إلى 2 مليار دولار في عام 2006، تباطأ نمو مبيعات الشركة وانخفض سعر أسهمها في عام 2007. وكانت منتجات الشركة تصل إلى مرحلة النضوج مع وجود عدد قليل من المنتجات الجديدة في طور الإعداد. ولاستعادة نمو الإيرادات، قررت الإدارة استهداف أمراض المناعة الذاتية، مثل التصلب المتعدد multiple sclerosis، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة، و80 مرضًا آخر لم يكن هناك علاج دائم معروف لها.

لقد كانت هذه فرصة هائلة، ولكنها كانت أيضًا بمثابة مخاطرة كبيرة جدًا بالنسبة للشركة. فالأدوية الموجودة في هذا المجال إما لم تكن فعالة للعديد من المرضى أو تسببت في آثار جانبية أسوأ من المرض. وكانت المنافسة من شركات مثل Amgen و Novartis شديدة على الريادة في هذا المجال. وقد فشلت العديد من المحاولات الأولى لشركة Genentech في المنطقة في تحقيق أداء جيد أمام هذه المنافسة.

لقد استند القرار الاستراتيجي لتخصيص الموارد لهذا المجال الجديد إلى تقرير من طبيب بريطاني يفيد بأن عقار السرطان Rituxan الذي تنتجه شركة Genentech خفف آلام التهاب المفاصل الروماتويدي لدى خمسة من مرضاه. وكان الرئيس التنفيذي آرثر ليفينسون معجبًا جدًا بهذا التقرير لدرجة أنه أبلغ مجلس إدارة شركة Genentech على الفور وحثهم على دعم برنامج بحثي كامل عن Rituxan في أمراض المناعة الذاتية. وبمباركة المجلس أطلق ليفينسون برنامجًا لدراسة الدواء كعلاج لالتهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلب المتعدد، والذئبة. ونشرت الشركة ثلث باحثيها البالغ عددهم 1000 باحث للبحث عن أدوية جديدة لمكافحة أمراض المناعة الذاتية.

في عام 2006 تمت الموافقة على عقار Rituxan لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي واستحوذ على 10% من السوق. كانت الشركة تعمل على بعض الأساليب الجديدة تمامًا لعلاج أمراض المناعة الذاتية. وكانت مهمة البحث هي النظر في الأفكار التي قد يتجاهلها الآخرون.

إن بعض القرارات الإستراتيجية يتم اتخاذها في لمح البصر من قبل شخص واحد (غالبًا ما يكون رجل أعمال أو رئيسًا تنفيذيًا قويًا) يتمتع ببصيرة رائعة وقادر بسرعة على إقناع الآخرين بتبني فكرته. والبعض الآخر يبدو أنها تنشأ وتتطور من خلال سلسلة من الاختيارات الإضافية الصغيرة التي تدفع المنظمة بمرور الوقت في اتجاه واحد أكثر من غيره.

في بعض الأحايين تجد أن هناك رئيسا تنفيذيا قويا يتمتع برؤية ثاقبة يبحث بنشاط عن فرص جديدة، ويتجه بشكل كبير نحو النمو، ويكون على استعداد لوضع استراتيجيات جريئة بسرعة، وهذ النمط يعرف عند أهل الاختصاص بنمط "ريادة الأعمال". ويُعد موقع Amazon.com الذي أسسه "جيف بيزوس" مثالاً على هذا النمط من اتخاذ القرار الاستراتيجي. إذ عكست الشركة رؤية بيزوس في استخدام الإنترنت لتسويق الكتب وغيرها. وعلى الرغم من أن استراتيجية النمو الواضحة التي اتبعتها أمازون كانت بالتأكيد ميزة لنمط ريادة الأعمال، إلا أن أسلوب الإدارة الغريب الذي اتبعه بيزوس جعل من الصعب الاحتفاظ بكبار المسؤولين التنفيذيين.

هناك نمط آخر لصياغة القرار الاستراتيجي يتسم به بعض المديرين، فبدلاً من البحث الاستباقي عن فرص جديدة فإنه يتم اعتماد الحلول التفاعلية للمشاكل الحالية، فما عليك سوى الانتظار حتى تظهر المشكلات. ويطلق عليه أصحاب علم الإدارة بـ "الوضع التكيفي" ويشار إليه أحيانا باسم ""التخبط"، وهو أكثر ملاءمة للتعامل مع البيئات المعقدة والمتغيرة. ويعد بعض علماء الإدارة هذا الوضع نموذجيًا لمعظم الجامعات، وفي العديد من المستشفيات الكبيرة، وفي عدد كبير من الوكالات الحكومية، وعدد مدهش من الشركات الكبيرة. وقد عملت شركة Encyclopedia Britannica Inc. بنجاح لسنوات عديدة في هذا الوضع، مع استمرارها في الاعتماد على بيع كتبها المرموقة من الباب إلى الباب (Door-To-Door Sales). بعد أن تم الاستحواذ عليها في عام 1996، قامت الشركة بتغيير مبيعاتها من الباب إلى الباب إلى الإعلانات التلفزيونية والتسويق عبر الإنترنت. وتفرض الشركة الآن رسومًا على المكتبات والمشتركين الأفراد للوصول الكامل إلى موقع Brittanica.com، وتقدم أقراصًا مضغوطة بالإضافة إلى عدد صغير من مجموعتها المطبوعة والمكونة من 32 مجلدًا.

قد يختار بعض القادة طريقة الجمع المنهجي للمعلومات المناسبة لتحليل الموقف، وتوليد استراتيجيات بديلة ممكنة، والاختيار العقلاني للاستراتيجية الأكثر ملاءمة، وهو مايعرف بـ "وضع التخطيط". ليشمل هذا الوضع كلا من البحث الاستباقي عن فرص جديدة، والحل التفاعلي للمشاكل القائمة.

تعد شركة IBM تحت إدارة الرئيس التنفيذي "لويس جيرستنر" مثالاً على وضع التخطيط. فعندما قبل "لويس جيرستنر" منصب الرئيس التنفيذي للشركة في عام 1993، أدرك أن شركة "آي بي إم" كانت تواجه صعوبة كبيرة. إذ كانت أجهزة الكمبيوتر المركزية -وهي خط الإنتاج الرئيسي للشركة- تعاني من انخفاض سريع في المبيعات وحصة السوق. كفان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها "جيرستنر"هو عقد اجتماع لمدة يومين حول استراتيجية أسعار الشركات مع كبار المسؤولين التنفيذيين. وكشف تحليل متعمق لخطوط إنتاج شركة IBM أن الجزء الوحيد من الشركة الذي كان ينمو هو الخدمات، لكنه كان قطاعًا صغيرًا نسبيًا ولم يكن مربحًا للغاية. وبدلاً من التركيز على تصنيع وبيع أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها، اتخذت شركة IBM قرارًا استراتيجيًا بالاستثمار في الخدمات التي تتكامل وتكمل تكنولوجيا المعلومات، ولذلك قررت شركة IBM تقديم مجموعة كاملة من الخدمات بدءًا من بناء الأنظمة، ومرورا بتحديد البنية إلى تشغيل أجهزة الكمبيوتر وإدارتها فعليًا للعميل، وبغض النظر عمن قام بتصنيع المنتجات. فقامت الشركة ببيع أعمالها الخاصة بذاكرة الوصول العشوائي (DRAM)، ومحرك الأقراص، والكمبيوتر المحمول ،وانسحبت من تطوير تطبيقات البرامج. ومنذ اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي في عام 1993، جاء 80% من نمو إيرادات شركة IBM من الخدمات.

لعل القاريء الكريم لم يلحظ حتى الآن أننا قمنا بالحديث حول ثلاثة أنماط لاتخاذ القرار الاستراتيجي، بدءا من نمط ريادة الأعمال، مرورا بنمط التكيف، وكان آخرها نمط التخطيط. ليبقى النمط الرابع والذي يعرف ب"التدرج المنطقي" والذي يمكننا اعتباره توليفة من الأنماط الثلاثة.

في هذا النمط يكون لدى الإدارة العليا فكرة واضحة إلى حد معقول عن مهمة المنظمة وأهدافها، وينص مفهوم التدرج المنطقي على أنه يجب على المنظمات تنفيذ الاستراتيجيات أو القرارات الحاسمة في خطوات صغيرة بدلاً من تنفيذ ضربة واحدة. ويؤكد أن المدير الفعال يتخذ خطوات متزايدة بشكل مطرد ولكن منطقية في تحقيق غاية أو هدف محدد. وذلك حتى يتم التعامل مع التعقيدات والجوانب الفنية للهدف أو المشروع بشكل مناسب. والهدف النهائي هو إدارة المقاومة أو الاحتكاك الذي يفرضه التغيير الجذري عن طريق تقليله إلى مستويات مقبولة. فعندما تتطلع المنظمة إلى تحقيق اللامركزية في مراكز السلطة وصنع القرار، فمن المناسب أن تقوم المنظمة بتفويض المسؤولية بطريقة تمكن الجميع من المساهمة بحصتهم في تحقيق هدف مشترك. أو عندما تسعى المنظمة إلى تنفيذ تغييرات ضخمة معينة في الإستراتيجية والعمليات بحيث لا يتم الشعور بالتأثير على الفور، كأن تقرر زيادة الانتاج أو تقديم ابتكار جديد.

يبدو هذا النمط مفيدًا عندما تتغير البيئة بسرعة وعندما يكون من المهم بناء توافق في الآراء وتطوير الموارد اللازمة قبل إلزام شركة بأكملها باستراتيجية محددة. وفي تحليله لصناعة النفط وصف "جرانت" التخطيط الاستراتيجي في هذه الصناعة بأنه "النشوء المخطط له". فحدد المقر العام للشركة المهمة والأهداف؛ ولكنه سمح لوحدات العمل باقتراح استراتيجيات لتحقيقها.

الحديث ذو شجون .. وله تتمة بعون الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة