قراءة|"كل(ن) يغني على ليلاه".. منظمة بلا انسجام بين استراتيجياتها سجن بلا حياة ..

 

لقد اتفقنا على أن استراتيجية المنظمة تشكل خطة رئيسية شاملة توضح كيف ستحقق المؤسسة رؤيتها وأهدافها، وتعمل على رفع الميزة التنافسية إلى أقصى حد، والتقليل من العيوب التنافسية. ومن الضروري أن نعقل أن الأعمال الناجحة هي التي تجعل كلمة (الاستراتيجية) ذات معنى، وبدون ذلك ستكون هذه الكلمة مجرد كلمة رنانة نتشدق بها في المحافل.

 

استراتيجية المنظمة (Corporate strategy) هي أهداف المنظمة الكبيرة. فإذا كانت المنظمة كبيرة بما يكفي ليكون لديها أقسام منفصلة، فيجب أن يكون لكل قسم إستراتيجية عمل (B usiness Strategy) تستند إلى أهداف الشركة.

 

استراتيجية العمل تحدد أهدافًا للإدارات أو الأقسام كمثل: الإستراتيجية المالية أو إستراتيجية التصنيع أو إستراتيجية المبيعات. ولذا قد نلاحظ أن إستراتيجية العمل في المنظمات الصغيرة قد تكون مطابقة لاستراتيجية المنظمة.

هناك النوع الثالث من الاستراتيجيات في المنظمة وهو الاستراتيجية الوظيفية (Functional strategy) وهي الأكثر تفصيلا، فإذا كان هدف المنظمة هو "إدارة المخاطر بشكل استباقي"، فإن الإستراتيجية الوظيفية تتضمن التكتيكات والأساليب لتحقيق ذلك.

كنا قد ذكرنا في مقال سابق أن شركة كادبوري سكويرز والتي كانت منافسا رئيسيا في صناعة الحلويات والمشروبات الغازية جعلت هدفا لها زيادة هامش ربحها، فقامت بإجراء تغيير كبير في استراتيجيتها مكنتها من تحقيق الهدف في غضون أربع سنوات. فقامت بخفض التكاليف وإغلاق 33 مصنعًا، وتقليل عدد الموظفين بنسبة 10٪، واتخذت قرارًا استراتيجيًا بالتركيز على الأعمال التجارية التقليدية من خلال التخلص من وحدة المشروبات الغازية الأقل ربحًا. وكان من ضمن تفكير الإدارة اللجوء إلى عمليات الاستحواذ كطريقة لتضخيم قوتها في صناعة الحلويات من خلال شراء وحدة حلويات كرافت أو شركة هيرشي.

 

البراعة هي القدرة على التخطيط المستدام ضمن مستويات الاستراتيجية الثلاثة سواء على مستوى المنظمة، أو على مستوى الأعمال، أو حتى على مستوى الوظيفة. ولك أن تتخيل هرما رأسه إلى أعلى: قاعدته العريضة استراتيجية الوظيفة، وأعلى الهرم هو استراتيجية المنظمة، وما بينهما استراتيجية الأعمال.

 

كانت بعض الملاحظات التي وردتني عن بعض ما أكتبه أن الكلام عميق ويحتاج أحيانا لمتخصصين لفهم بعضه، مع تأكيدهم على استفادتهم مما يقرأون، لكنني أقول وبصدق أنني أحاول جهدي البعد عن التعقيد والسرد الأكاديمي الممل، لذا تجدني أضرب الأمثلة لتسهيل الفهم وإزالة الإبهام عن بعض الأفكار المطروحة، وقديما قالوا: بالمثال يتضح المقال.

 

فأنا حين أذكر استراتيجية الوظيفة (أو الوظيفية) فأنا هنا أتحدث عن إستراتيجية التسويق والموارد البشرية والإنتاج والبحث والتطوير وأشباهها، وكل قسم من هذه الأقسام له أهدافه واستراتيجياته الخاصة التي تساهم في تحقيق الهدف العام للشركة. وبعبارة أخرى كيف أقوم بتطوير عمليات المنظمة داخل إداراتها وأقسامها المختلفة؟. فمثلا يتعامل المجال الوظيفي للتسويق مع تخطيط وتنفيذ الحملات التسويقية. فهو مثلا يقرر نوع استراتيجيات التسويق التي ستتبناها الشركة لزيادة حصتها في السوق. وتتعامل –مثلا- وحدة الإنتاج مع منتجات التصنيع، مما يضمن أن العمليات المختلفة فعالة للغاية لضمان أن المنتجات النهائية ستكون وفقًا للمواصفات المحددة. ومن جهة أخرى يكون قسم الموارد البشرية مسؤولا عن تعيين الموظفين وتدريبهم. وأخيرًا ,, يركز قسم البحث والتطوير على تطوير منتجات جديدة والنظر في الممارسات التجارية المبتكرة التي يمكن للشركة الاستفادة منها.

 

الخلاصة أن الإستراتيجية الوظيفية هي النهج الذي يتبعه مجال وظيفي لتحقيق أهداف واستراتيجيات المنظمة، ووحدة الأعمال، من خلال زيادة إنتاجية الموارد إلى الحد الأقصى. فهي تهتم بتطوير ورعاية كفاءة مميزة لتزويد شركة أو وحدة أعمال بميزة تنافسية.

من أمثلة الاستراتيجيات الوظيفية للبحث والتطوير مايعرف بمتابعة التكنولوجيا (تقليد منتجات الشركات الأخرى) والقيادة التكنولوجية (الريادة في الابتكار). فلسنوات عديدة كانت شركة ماجيك شيف صانعة أجهزة ناجحة جدا من خلال إنفاق القليل على البحث والتطوير ولكن عن طريق محاكاة ابتكارات المنافسين الآخرين بسرعة. وقد ساعد ذلك الشركة على إبقاء تكاليفها أقل من تكاليف منافسيها وبالتالي المنافسة بأسعار أقل من الآخرين.

أما فيما يتعلق باستراتيجيات وحدة التسويق الوظيفية فإن شركة (P&G) هي سيد تسويق الجذب أو ما يعرف "PULL" والذي هو عبارة عن عملية إنفاق مبالغ ضخمة على الإعلانات من أجل إيجاد طلب أكبر من قبل العملاء. وهذا بدوره يشكل دعما للإستراتيجية التنافسية لشركة (P&G) والمتمثلة في تمييز منتجاتها عن منتجات منافسيها.

 

استراتيجية العمل (BS) تكون عادةً على مستوى وحدة الأعمال أو المنتج، وتركز على تحسين الوضع التنافسي لمنتجات الشركة أو خدماتها في قطاع الصناعة أو السوق المحدد الذي تخدمه وحدة الأعمال تلك.

فعلى سبيل المثال استخدمت سلسلة شركة ستابليس – سلسلة متاجر توريد المستلزمات المكتبية الأمريكية- استراتيجية تنافسية لتمييز متاجرها لبيع التجزئة عن منافسيها من خلال إضافة خدمات إلى متاجرها مثل: النسخ، وخدمة التوصيل، وتوظيف فنيين متنقلين يمكنهم إصلاح أجهزة الكمبيوتر وإيصال خدمات الانترنت.

واتبعت الخطوط الجوية البريطانية استراتيجية تعاونية من خلال تشكيل تحالف مع شركة الخطوط الأمريكية من أجل تقديم خدمة عالمية.

واستخدمت شركة Intel -الشركة المصنعة للمعالجات الدقيقة للكمبيوتر - تحالفها (إستراتيجية تعاونية) مع شركة Microsoft لتمييز نفسها (إستراتيجية تنافسية) عن منافسها الأساسي شركة AMD.

 

تستخدم المنظمات التجارية جميع الإستراتيجيات الثلاثة  -السالفة الذكر- في وقت واحد. والتسلسل الهرمي للاستراتيجية هو تجميع لأنواع الإستراتيجيات حسب المستوى في المؤسسة. وهو تداخل إستراتيجية واحدة في أخرى بحيث تكمل وتدعم بعضها البعض. لنجد أن الاستراتيجيات الوظيفية تدعم استراتيجيات العمل، والتي بدورها تدعم استراتيجية (استراتيجيات) المنظمة.

 

تجدر الإشارة إلى أنه ومثلما لا يكون لدى العديد من المنظمات -غالبًا - أهداف معلنة رسميًا، فإن العديد من المنظمات لديها استراتيجيات غير مذكورة أو بديهية لم يتم توضيحها أو تحليلها مطلقًا (استراتيجية ضمنية). وغالبًا ما تكون الطريقة الوحيدة لتحديد الاستراتيجيات الضمنية للمنظمة هي النظر ليس إلى ما تقوله الإدارة ولكن إلى ما تفعله. لذا فإنه يمكن استخلاص الاستراتيجيات الضمنية من سياسات المنظمة والميزانيات المعتمدة والبرامج المعتمدة (أو حتى غير الموافق عليها). فمثلا تكشف البرامج والأقسام التي يضخ فيها الميزانية والموظفون المتميزون: أين تضع الشركة أموالها وطاقتها؟.

 

الخلاصة .. التوجه العام للشركة وإدارة أعمالها يعرض استراتيجية المنظمة، و استراتيجية العمل تعني الاستراتيجيات التنافسية والتعاونية، في حين أن الاستراتيجية الوظيفية للمنظمة تعني: تعظيم إنتاجية الموارد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة