الربط بين السبب والنتيجة مهارة المخطط الاستراتيجي في صناعة المستقبل

 تكلمنا في المقال السابق حول المرحلة الأولى من مراحل التخطيط الاستراتيجي وهي وضع الخطة المالية للمنظمة. وقررنا أنه لاينبغي لنا أن نستهين بالخطة المالية، فنجاحها أو فشلها مسألة حياة أو موت لأي منظمة.

اليوم سنتكلم عن (التنبؤ) وهو مرحلة قائمة بحد ذاتها، ولها دورها في نجاح أي تخطيط استراتيجي.
بالطبع نحن لا نعني هنا تلك الكرة البلورية التي تقبع بين يدي كاهن أو كاهنة تنظر من خلالها إلى المستقبل، فهذا لا وجود له إلا في عالم والت ديزني. بل نعني عملية علمية قائمة على البيانات.

هل سنحتاج – مثلا- إلى بناء محطة أخرى لتوليد الطاقة في السنوات الخمس المقبلة؟
هذا يتطلب تنبؤات بالطلب المستقبلي.
كم عدد الموظفين الذين سنحتاجهم للعمل على الخط الساخن؟
هذا يتطلب توقعات بأحجام المكالمات.
قد تكون التنبؤات مطلوبة لعدة سنوات مقدمًا، أو ابضع دقائق فقط مسبقًا، فطبيعة الهدف هي الفيصل هنا.

عموما وفي المراحل الأولى من عملية التنبؤ يجب اتخاذ قرار بشأن ما يجب توقعه والتنبؤ به.
فمثلا في مصنع ينتج أنواع مختلفة من المنتجات، يجب أن أحدد: هل التنبؤ سيكون لكل خطوط الإنتاج، أم لمجموعة من المنتجات؟
وهل المطلوب بيانات أسبوعية أم بيانات شهرية أم بيانات سنوية؟.

إن بعض الأشياء أسهل في التنبؤ بها من غيرها. إذ يمكن التنبؤ بوقت شروق الشمس صباح الغد بدقة. بالمقابل لا يمكن التنبؤ بأرقام اليانصيب غدًا بأي حال من الأحوال.

التنبؤ يعد جزءا مهما في استراتيجية الأعمال وليس أمرا كماليا، فهو يساعد الشركات على تقييم مكانهم، والتنبؤ بالمكان الذي قد يتجهون إليه في العديد من المجالات الرئيسية.

عملية التنبؤ تساعد على إلقاء نظرة على اتجاهات المنظمة السابقة، وموقع المنظمة الحالي، ثم التنبؤ بالمستقبل. وهو ليس قضية عشوائية –كما قد يتبادر إلى ذهن البعض- بل له أدوات ونماذج معتبرة في عالم الإدارة والأعمال.

تعتمد إمكانية التنبؤ على عدة عوامل
فعلى سبيل المثال: يمكن أن تكون تنبؤات الطلب على الكهرباء دقيقة للغاية إذ أنه لدينا فكرة جيدة عن العوامل المساهمة: فالطلب على الكهرباء له علاقة إلى حد كبير بدرجات الحرارة. أما تأثير العطلات والظروف الاقتصادية فضعيف ويمكن تقدير حجمه، شريطة وجود سجل كافٍ من البيانات المتعلقة بالطلب على الكهرباء والظروف الجوية، ويمكن أن تكون التوقعات دقيقة بشكل ملحوظ. في حين أن التنبؤ بارتفاع أو انخفاض سعر صرف العملة أشبه بقذف عملة في الهواء وتوقع أن تكون النتيجة صورة أم كتابة ! فأعلى ما يمكن توقعه هو 50:50 بالمئة. والسبب محدودية فهمنا للعوامل التي تؤثر على أسعار الصرف.

غالبًا ما تكون الخطوة الأساسية في التنبؤ هي معرفة متى يمكن التنبؤ بشيء ما بدقة، ومتى لن تكون التوقعات أفضل من رمي عملة معدنية.
من الضروري أن نتعلم كيفية التمييز بين التقلب العشوائي في البيانات الذي يجب تجاهله، والنمط الحقيقي الذي يجب نمذجته واستقراؤه.

إن شركة ناشئة ليس لديها بيانات ثابتة لا يمكنها النظر في اتجاه سابق لعدم وجوده، وعليه فستعتمد على المجهود الشخصي في النظر في أبحاث السوق أو حتى الاعتماد على خبراء في هذا المجال لهم تجربتهم السابقة. لكن إذا كان هناك بيانات سابقة للمنظمة فسيلجأ المختصون إلى الطرق التحليلية القابلة للقياس والقائمة على التنبؤ الإحصائي (السلاسل الزمنية).

على سبيل المثال: متى كان هناك تراجع في المبيعات فسيلجأ المختصون إلى الطرق السببية في عملية التنبؤ من خلال فهم العلاقات بين الأشياء والتنبؤ بها. وهل كان هذا التراجع بسبب اقتصادي بحت، أم أن خدمة العملاء كانت سيئة؟.
وعلى ضوئه يمكن وضع رابط بين البيانات في سبيل وضع خطة أفضل للمضي قدما.

بعبارة أخرى: كيف ستكون النتائج إذا كانت البيئة مواتية وقمنا بعمل (أ)؟ ماذا لو كانت غير مواتية وقمنا بعمل (أ)؟ ماذا لو كانت غير مواتية وقمنا بعمل (ب)؟ وإذا كان الربح منخفضا مع أن سقف المبيعات مرتفع، فهل السبب هو الهدر في الإنفاق؟.

بالطبع يوجد عدد من المخططات لتصنيف طرق التنبؤ (يمكن مراجعتها بالرجوع إلى المؤلفات المتخصصة في هذا الموضوع ليس هنا موضع بيانها)، لكن هذه المخططات تعتمد على نوع البيانات المستخدمة، ونوع الأشخاص الذين يقومون بالتنبؤ، أو درجة تعقيد الأساليب المستخدمة لتحليل البيانات.

لا زال بعض أصحاب القرار يستخدمون الأساليب الذاتية في التنبؤ (بدلا من الأساليب الموضوعية)، ولك أن تطلق عليها الأساليب البديهية أو غير الرسمية. وقد تكون مدعومة بالكثير من التحليل العلمي أو حتى بدونها. لكن النقطة الحاسمة هنا: هي أن المحلل يقوم بالتنبؤ في ذهنه أو رأسه.

على سبيل المثال ، يمكن أن يُطلب من المديرين التنفيذيين وضع توقعات سنوية لمبيعات السيارات على مدى السنوات الخمس المقبلة. سيتم تزويدهم بأي معلومات يطلبونها، لكنهم سينتجون التوقعات النهائية بمجرد التفكير الذاتي.

الأساليب الموضوعية في التنبؤ هي تلك التي تستخدم عمليات محددة جيدًا لتحليل البيانات بحيث يمكن للمحللين الآخرين تكرارها والحصول على توقعات متطابقة. وتسمى هذه أيضًا الطرق الإحصائية. وقد تستند إلى عمليات بسيطة أو معقدة. وقد يستخدمون بيانات موضوعية أو بيانات ذاتية كمدخلات. وقد تكون مدعومة بتحليل أو بلا شيء. لكن العامل الحاسم هو ترجمة المدخلات إلى تنبؤات باستخدام عملية يمكن تكرارها من قبل محللين آخرين.
علاوة على ذلك، يمكن برمجة عملية التنبؤ على الكمبيوتر.

الاختيار بين الأساليب الذاتية والموضوعية هو أمر مهم، وتتم معظم التنبؤات باستخدام طرق ذاتية. ويبدو أيضًا أنه كلما زادت أهمية التنبؤ، زادت احتمالية استخدام الأساليب الذاتية. لكن لنقلها بصراحة: لا نستطيع الاكتفاء بشهرة وشعبية طريقة ما في تحديد الطريقة الأكثر فائدة، فالاكتفاء بالشهرة وكثرة الاستخدام دليل ضعيف على كونها الأكثر فائدة في التنبؤ.

في عام 1957 م قامت شركة فورد العالمية للسيارات باتخاذ قرارها الاستراتيجي – وأشرنا إلى ذلك في المقال السابق – قامت بإدخال نموذج سيارات EDSEL ضمن خط انتاجها، ولم يكن هذا القرار حينها مبنيا على أسس واضحة، سواء في التخطيط أو حتى في التنبؤ، واكتفت بحدس أصحاب القرار والمضي قدما في تنفيذ التخطيط التشغيلي لإنتاج السيارة.

فماذا كانت النتيجة؟

رغم الدعاية الكبيرة ولمدة عام كامل، فشلت فورد في لفت نظر المشترين، وكان حجم الخسائر يقدر ب 350 مليون دولار أمريكي حينها، ناهيك عن خسارة التجار الذين اشتروا هذا النموذج. لقد كان قرار إدخال نموذج هذه السيارة أكبر خطأ حصل في تاريخ الشركات الكبرى.

والسؤال: هل كان التخطيط الجيد، واستخدام التنبؤ العلمي –فيما لو استخدم بشكله الصحيح-سيحمي شركة فورد من هذا الخطأ الاستراتيجي الكبير؟.

يفترض الكثير من الناس أن التنبؤات غير ممكنة في بيئة متغيرة، والصحيح أن كل بيئة عرضة لتتغير، لكن نموذج التنبؤ الجيد يلتقط الآلية التي تتغير بها الأشياء. ونادرًا ما يفترض البارعون في توقعاتهم أن البيئة لن تتغير. لكنهم يفترضون عادة أن الطريقة التي تتغير بها البيئة ستستمر مستقبلا.

فالبيئة شديدة التقلب ستبقى كذلك، والأعمال التجارية ذات المبيعات المتقلبة ستستمر في تحقيق مبيعات متذبذبة؛ والمطلوب منا التقاط الآلية التي تتحرك بها الأشياء، وليس فقط مكان وجود هذه الأشياء.

في الختام ،، يعد التنبؤ مهمة إحصائية شائعة في الأعمال التجارية، ويوفر دليلًا للتخطيط الاستراتيجي طويل الأجل. ومع ذلك ، غالبًا ما يتم تنفيذ التنبؤ بالأعمال بشكل سيئ ، وغالبًا ما يتم الخلط بينه وبين التخطيط والأهداف.

للحديث تتمة .. دمتم بخير
https://albaladnews.net/article/366698

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة