قراءة| نريد .. فكيف سنحقق ما نريد؟ .. مهمة المنظمة معيار الفكر الإداري الجيد
حين نعيش في
قرية صغيرة فإننا نملك كما هائلا من المعلومات عن أرضها وتربتها وأشجارها ومن يقطن
فيها، ونعلم أي واد نترك وفي أي طريق نسير، لكن ثلة قليلة جدا من تستثمر هذه
المعلومات لوضع خطة يتم إدارة القرية من خلالها لتكون أم القرى.
ببساطة فإن
الإدارة الفعالة للفرص والتهديدات البيئية في خضم تحديدنا لنقاط القوة والضعف
يقودنا لصياغة استراتيجية معنية بتطوير خطط إدارية طويلة المدى، وقد فضل جهابذة
الإدارة أن يطلقوا عليه اسم (SWOT) أو كما نلفظها بلغتنا العربية (سوات) وهو ما عرضته في مقال الأمس.
عندما نتحدث
عن "صياغة الاستراتيجية" فنحن نتحدث عن تحديد " مهمة Mission" المنظمة، ونتحدث عن تحديد الأهداف
القابلة للتحقيق، وحبذا التركيز على عبارة "القابلة للتحقيق" فهنا
البراعة!، كذلك فنحن أمام تحد عنوانه "تطوير الاستراتيجيات"، وإن نسينا
فلن ننسى "دليل السياسات" للمنظمة.
هل انتبه القاريء أنني هنا أتكلم عن أربعة عناصر تشكل بمجموعها صياغة
الاستراتيجية ؟!. راجع واقرأ الفقرة السابقة بعناية لتفهم مرادي. ودعوني أتكلم هنا
– في هذا المقال - عن مهمة الشركة أو كما يحلو للبعض نطقها بلفظها الأجنبي : Mission، فما هي مهمة المنظمة؟
أو بتعبير آخر: ما هو الغرض أو سبب وجود المنظمة؟. أو هل لك أن تخبرني بجملة أو جملتين توضح من
خلالها لي ما تقدمه منظمتك للمجتمع، فهل تقدم مجرد خدمة كتنظيف المنازل – مثلا-؟،
أم أن المنظمة معنية بتقديم سلعة كالسيارات مثلا؟.
لقد عودني أساتذتي
في الجامعة أن لا اخلط بين مفهوم لفظة منتج وخدمة، وأن الخدمة هي في النهاية منتج
! لكن من الضروري أن أفرق بين السلعة المادية، والخدمة، وكلاهما في النهاية منتج.
على العموم فإن
العناية بتحديد بيان المهمة Mission وأخراجها بشكل جيد يعد الغرض الأساسي والفريد الذي يميز منظمة
عن غيرها من المنظمات التي تشترك جميعا في نفس النوع. فمهمة المنظمة تحدد نطاق
عمليات الشركة أو القيام بها بشكل رئيسي من حيث السلعة والخدمات المقدمة.
خلال بحثي
وجدت أن المنظمات التي لديها "مهمة" تعرض بيانات وأوصاف صريحة للعملاء
الذين يتم خدمتهم والتقنيات المستخدمة فيها، فإن هذه المنظمات سيكون لديها نسبة نمو
أعلى بكثير من المنظمات التي لا تحتوي على مثل هذه البيانات. كما أن " المهمة " قد تتضمن بيان قيم المنظمة وفلسفتها حول
كيفية قيامها بأعمالها ومعاملة موظفيها.
إنها لا تعبر عن
ماهية المنظمة الآن فحسب، بل ما تريد أن تصبح عليه (رؤية الإدارة الإستراتيجية
لمستقبل الشركة)، ووضوح مهمة المنظمة يعزز الشعور بالتوقعات
المشتركة بين الموظفين، وينقل الصورة العامة إلى مجموعات أصحاب المصلحة.
يحلو للبعض أن يفرق
بين مهمة المنظمة Mission و رؤيتها Vision! وجعلهما مفهومين مختلفين. فيرون أن مهمة المنظمة هي جواب سؤال: ما هي
المنظمة الآن؟ في حين تصف الرؤية Vision ما تود المنظمة أن تصبح عليه. وإن كنت شخصيا أميل إلى كونهما شيئا
واحدا.
من الأمثلة على مهمة
المنظمة ما كتبته جوجل في مهمتها:" لتنظيم المعلومات
حول العالم وجعلها مفيدة وفي متناول الجميع". ومن الأمثلة الكلاسيكية في هذا
الصدد ما وجد مكتوبا على صفيحة من البرونز في شركة صناعة السفن الحربية Newport News
Shipbuilding ومنذ تأسيسها عام 1986 :" سنقوم ببناء سفن جيدة هنا - بربح
إذا استطعنا - في خسارة إذا اضطررنا - ولكن دائمًا سفن جيدة".
قد تختار بعض المنظمات جعل مهمتها ضيقة النطاق، والبعض الاخر قد يفضل كونها
واسعة النطاق. ولاحظ هنا أنني لا أعني بالنطاق عدد الكلمات وطول العبارات ! بل المدى
الواسع أو الضيق لمهمة المنظمة. خذ مثلا على مهمة واسعة النطاق -ذلك الذي تستخدمه
العديد من المنظمات- بقولهم: "خدمة مصالح المساهمين والعملاء
والموظفين".
هكذا مهمة تعني
العمل على نطاق واسع ! والذي بدوره سيمنع المنظمة من تقييد نفسها بمجال أو خط
إنتاج واحد، لكنها وفي نفس الوقت ستفشل في تحديد ما تنتجه، وتحديد الأسواق التي
تخطط للتأكيد عليها. لكن انظر إلى بيان المهمة الضيق كالأمثلة السابقة من قبل شركة
Google و Newport News
Shipbuilding، فستجده عموما أكثر فائدة. فالمهمة الضيقة تحدد بوضوح الأعمال
الأساسية للمنظمة، ولكنها قد تحد من نطاق أنشطة الشركة من حيث السلعة أو الخدمة
المقدمة، أو التكنولوجيا المستخدمة، وكذا السوق الذي يتم تقديمه.
في قراءاتي
وجدت الأبحاث تشير إلى أن بيان المهمة الضيق قد يكون أفضل في صناعة مضطربة؛ لأنه
يحافظ على تركيز الشركة على ما تفعله بشكل أفضل، في حين أن بيان المهمة الواسع قد
يكون الأفضل في بيئة مستقرة تفتقر إلى فرص النمو. فهل لديك بيان مهمة جيد؟. وهذا
يقودنا لسؤال مهم مفاده: كيف تستطيع الحكم على مدى جودة بيان المهمة الذي تتبناه
المنظمة أو حتى الفرد؟
يقترح أندرو كامبل -مدير
مركز أشريدج للإدارة الاستراتيجية ومساهم طويل الأمد في التخطيط طويل المدى - وسيلة
لتقييم بيان المهمة. إذ يرى أنه ولما كان بيان المهمة Mission Statement يمكن أن يكون أكثر
من مجرد تعبير عن هدف الشركة وطموحها، فإنه يقترح أنه يمكن أن يكون أيضًا علمًا (
راية) للمنظمة للالتفاف حوله، وعلامة لجميع أصحاب المصلحة، ودليل للسلوك، واحتفال
بثقافة المنظمة.
يقترح كامبل لتحقيق
ماسبق أن يتم تقييم بيان المهمة من خلال اختبار مكون من عشرة أسئلة، بحيث تكون
إجابة السؤال أحد ثلاثة احتمالات، لكل احتمال علامة محددة: (لا = 0) ، و (نعم = 2)،
و (إلى حد ما= 1)، وإذا كانت النتيجة تزيد عن 15 فهي مهمة استثنائية، لكن إذا كان
مجموع النتيجة أقل من 10 فهذا يعني ضرورة القيام بالمزيد من العمل.
بصراحة ترددت في وضع
الأسئلة بغية الاختصار لأن هذا ماينبغي أن يكون عليه المقال في الغالب، لكن جاء في
خلدي خيبة الأمل التي قد تصيب المتابع المهتم حين لا يجد هذه الأسئلة. فالمهتم
يرغب بالمزيد، وغير المهتم لن يهتم أصلا بطول المقال من قصره. فقررت وضع الأسئلة والتي هي:
هل يصف بيان المهمة
غرضًا ملهمًا يمنع التلاعب بالمصالح الذاتية لأصحاب المصلحة؟ وهل يصف البيان
مسؤولية الشركة تجاه المساهمين فيها؟ وهل يحدد بيان المهمة مجال الأعمال ويشرح سبب
جاذبيته؟ وهل يصف البيان الوضع الاستراتيجي الذي تفضله الشركة بطريقة تساعد على
تحديد نوع الميزة التنافسية التي ستبحث عنها؟ وهل يحدد البيان القيم التي ترتبط
بهدف المنظمة وتعمل كمعتقدات يمكن للموظفين الشعور بالفخر بها؟ وهل هذه القيم لها
صدى وتعزز استراتيجية المنظمة؟ وهل يصف البيان معايير السلوك الهامة التي تعمل
كمنارات للاستراتيجية والقيم؟ وهل معايير السلوك موصوفة بطريقة تمكن الموظفين
الأفراد من الحكم على ما إذا كانوا يتصرفون بشكل صحيح؟ وهل يعطي البيان صورة تجسد
ثقافة المنظمة؟ وأخيرا هل البيان سهل القراءة؟
بالمختصر المفيد فإن
المهمة المكتوبة جيدًا تعبر بشكل فعال عن هوية المؤسسة، وتوفر إجابات على السؤال
الأساسي "من نحن؟"، فهي تلتقط العناصر الرئيسية لماضي المنظمة وحاضرها، بينما
الرؤية –عند من يرون التفريق- تتطلع إلى المستقبل. لتشكل الرؤية والرسالة خارطة
طريق للمكان الذي تريد الذهاب إليه وكيفية الوصول إليه. فالرؤية Vision صورة كبيرة
لما تريد تحقيقه. والمهمة Mission بيان عام لكيفية
تحقيق الرؤية. والبيان المصاحب الذي يتم إنشاؤه غالبًا مع الرؤية والرسالة هو بيان
للقيم الأساسية. تلك القيم التي ستوضح كيف ستتصرف المنظمة أثناء العملية.
تحتاج
المنظمات إلى دعم من أصحاب المصلحة الرئيسيين، مثل الموظفين والمالكين والموردين
والعملاء، إذا أرادوا الازدهار. وبيان المهمة سيساعد في إشراك أصحاب المصلحة في
تطوير فهم: لماذا يجب عليهم دعم المنظمة، وتوضيح الدور أو الغرض المهم الذي تلعبه
المنظمة في المجتمع - ويسمى أيضًا "الترخيص الاجتماعي للعمل".
مهمة شركة Google تتمثل في "تنظيم
المعلومات حول العالم وجعلها مفيدة وفي متناول الجميع". فقامت شركة Google بمتابعة هذه
المهمة في أيامها الأولى من خلال تطوير محرك بحث على الإنترنت مشهور جدًا. وتواصل
الشركة أداء مهمتها من خلال إجراءات إستراتيجية متنوعة، بما في ذلك تقديم متصفح
الإنترنت Google Chrome إلى المجتمع عبر الإنترنت، وتوفير بريد إلكتروني مجاني عبر خدمة Gmail،
وإتاحة الكتب عبر الإنترنت للتصفح.
ليس غريبا
علينا أنك قد تتجول في منظمة طويلة عريضة لتسأل موظفيها عن رؤية ومهمة وقيم
منظمتهم فلا يعلمون عنها شيئا !! والسبب الأصيل ضعف الثقافة العام والذي يشمل جميع
المستويات الإدارية في مدي أهمية هذه المكونات، بالإضافة إلى أنها أعدت في معزل
عنهم، وخاصة المستوى الإداري الثاني والثالث. فكيف إذا كان الموظفون يرون اختلافا
شاسعا بين الشعارات والواقع. هنا ستكون هذه العبارات لا تساوي ثمن ما كتبت به.
دمتم بخير
.. وللحديث بقية بمشيئة الله
تعليقات
إرسال تعليق