السوداوية في خطاب د. بشر الخصاونة .. واقع مثبت أم دعوى وخيال؟

 كنت في جلسة مع ثلة من الشباب الأردني الأصيل الذين تحلو السهرات بوجودهم .. وبحسن سؤالهم واستماعهم وثنائهم على مايسمعون مني وانا أقص عليهم شذرات قلائل من واقع الحياة التي يعيشها من تصدر مشهد الحياة العامة ..

إنها الولاية ياسادة .. حين يصبح وقتك ليس لك .. واهلك وأبناءك لا تراهم إلا قليلا ..

حين كنت أقص عليهم خبر تلك الليلة التي وصل فيها خبر حدوث تشققات في أرضية أحد خزاني الأكسجين في مستشفى عمان الميداني، أدت هذه التشققات إلى حدوث تهريب في أحد الصمامات ..

كان بالإمكان التغافل عن هذا الحدث لوجود خزان آخر ..

لكنها حياة قرابة الخمسين من مرضى كورونا في قسم العناية الحثيثة !! .. حالات حرجة لا يمكن أن تتنبأ مع هذا الفايروس بأي مفاجآت.

أصحاب القرار في الوزارة قالوا لن نقامر بحياة مريض واحد .. فلينقل جميع المرضى إلى مستشفى الجاردنز لتتم عملية الصيانة المناسبة بعدها …

تم نقل قرابة الخمسين مريضا طوال ليلة ليلاء لم ينم فيها أحد حتى اطمأن الجميع أن حياة الجميع باتت في أمان.

علق أحد الشباب حينها على سردي بقوله : واحنا ليلتها ولا داريين وسهرانين ارجيلة ودخان للفجر … مع تلك الضحكة الجميلة التي تذهب توتر العمل وثقل حمله.

حدثتهم عما جرى ليلة انهار سقف مستشفى عمان الميداني .. في وسط ليلة باردة، وثلوج متراكمة .. ومرضى كورونا على أجهزة التنفس الصناعي ..

كنت أنظر إلى عيونهم وهم يرقبون كلماتي كأنما على رؤوسهم الطير .. كأنما أقص عليهم حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة … مع فارق أن حكايات ألف ليلة وليلة من نسج خيال شهريار .. وحكاياتي واقع عشته بحذافيره.

لازلت أذكر سؤال شاب منهم: (وكيف دبرتوها؟؟؟)

الله هو المدبر ..

كان ثمة خطة سابقة بوجود ١٢٠ سرير فارغة في مستشفى الأمير حمزة تحسبا لأي مفاجأة.. سبحان الله..

فكانت تلك الليلة التي جاءت بما تشيب له الولدان ..

حياة المرضى كلهم على المحك ..

فبدأت عملية الإخلاء في ظروف جوية صعبة جدا، طوال الليل، والصباح الباكر، لم تغمض جفن لأحد حتى اطمأن الجميع أن الجميع بات بخير.

علق أحدهم ضاحكاً: (وش هذا .. فلم رعب، يارجل الله يعينكم! والله شغلكم ماهو مكسب).

سألني أحد الشباب: هل تعتقد يامهندس أننا نجحنا في إدارة ملف كورونا؟!

يا سبحان الله!

ما الذي يجعل شابا متعلما ومثقفا لا يشعر أو يستشعر حالة التعافي للبلاد من فيروس كورونا؟!

ولماذا لم يستشعر هو وغيره أن ملف كورونا في الأردن ورغم الإمكانيات المادية الضعيفة تم قيادته بأفضل مايمكن؟!

تذكرت هنا كلمة بسام البدارين في القدس العربي حين قال:« يواجه الخصاونة وطاقمه أزمة إعلامية مهنية حقيقية عنوانها ندرة الدفاع في الوسط الإعلامي والسياسي عن الحقائق والوقائع وقلة التعبير في المقابل والتوازي عن منجزات الحكومة على الأرض».

حينها أجبت الشاب بقولي: بلا شك!

هنا فهمت كلمات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة حين قال :« إن الحكومة لن ترحل أي مشكلات وستخرج ببياض الوجه في اتخاذ كل القرارات الصعبة».

لم أشهد فترة كانت أصعب في حياتي كلها من فترة إدارة ملف كورونا في الأردن.

وأقولها لله ثم للتاريخ ..

لقد كانت حكومة الدكتور بشر الخصاونة على قدر المسؤولية المناطة بها .. قادت ملفا من أصعب الملفات في ظرف من أحلك الظروف.

وصدق الدكتور بشر في مقولته حين قال: «الحكومة ستقوم بكل ما هو لازم مع الأخذ بعين الاعتبار أننا جزء من المنظومة الدولية ويتعرض للكثير من التحديات ».

مهرطق هو من حاول فصل إدارة هذا الملف عن الحالة الإقليمية والدولية..

ومهرطق أشر منه من يلوم الحكومة على عدم وجود عملية تنشيط نمو اقتصادي في خضم أزمة أطاحت باقتصاديات دول عظمى.

أي نعم السياسة المالية والاقتصادية التي أقرتها الحكومة في تلك الحقبة المريرة كانت قاسية في بعض آثارها .. لكن مامن عاقل ينكر أنها كانت أفضل ما بالإمكان .. حنانيك بعض الشر أهون من بعض .. تحملنا ضررا لرفع ضرر أكبر منه ..

هنا فهمت شعور دولته الذي دفعه ليقول – خلال الجلسات الحوارية الخاصة بفعالية إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي في البحر الميت -: “نعاهد جلالة الملك بأن يد وروح السوداوية لن تكسر روحنا».

وقوله: «الإجابة على القلة القليلة من مشيعي الإحباط بالمنجزات وليس الكلام».

فعلمت يقينا أنها إن لم تكن سوداوية فماذا عسانا أن نسميها؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة