قراءة‖ مصطلح "الإجراءات" من متطلبات نجاح تنفيذ الإدارة الاستراتيجية


من السهل جدا التمييز بين منتج ناجح أو غير ناجح من خلال النظر إلى مدى الانسجام والتناسق بين أجزاء هذا المنتج. فمتى كانت هذه الأجزاء - التي قد تكون كثيرة جدا لطائرة، أو أقل بكثير كمجموعة أقسام في دائرة –  متى كانت - غير منسجمة وفقدت التناغم فيما بينها كان الفشل نتيجة حتمية. وشتان بين آلة تعمل لسنوات دون عطل فيها أو تساقط أجزاء منها، وبين آلة أخرى كثيرة الأعطال، بل وتتساقط أجزاؤها بين الفينة والأخرى.

ولكي تكون منظمتك مثل تلك الآلة المضبوطة بدقة (ولتجنب تساقط الأجزاء بسبب ضعف نقاط اللحام فيها)، يجب أن يكون أعضاء فريقك على نفس الصفحة في جميع الأوقات بالمعنى الحرفي والمجازي.


كمثال على مصطلج الإجراءات بشكل عام: لاحظت شركة بيع التجزئة لتحسين المنازل (هوم ديبوت) أن المبيعات كانت متراجعة، وتنبهت أن السبب يكمن في أن متاجرها كانت مليئة بالممرات المسدودة، وأوقات طويلة للخروج، وعدد قليل جدًا من مندوبي المبيعات. فقامت الإدارة بتغيير  إجراءاتها فأعادت تخزين الرفوف وتسعير المنتجات. فبدلاً من مطالبة موظفيها بالقيام بهذه الأنشطة في نفس الوقت الذي يعملون فيه مع العملاء، نقلت الإدارة هذه الأنشطة إلى وقت إغلاق المتاجر ليلاً. وتمكن الموظفون بعد ذلك من التركيز على زيادة مبيعات العملاء خلال اليوم. أما بالنسبة لشركتي UPS وFedEx فتركزان على تقديم خدمة متسقة وعالية الجودة، حيث تمتلك الشركتان قواعد صارمة لسلوك الموظف، بدءًا من كيفية ارتداء السائق لملابسه وحتى كيفية حمل المفاتيح عند الاقتراب من باب العميل.

          في مؤسسات الرعاية الصحية يجب أن يتم التأكد من خلق بيئة آمنة للمرضى. ومع ذلك فإن دراسة أجرتها مجموعة Leapfrog عام 2019 تشير  إلى أن 161.250 حالة وفاة تحدث كل عام في المستشفيات الأمريكية كان بالإمكان أن يتم الوقاية منها. ونفس النتيجة وجدها باحثون من "معهد جون هوبكنز أرمسترونج لسلامة المرضى وجودتهم" من خلال 16 مقياسًا لسلامة المرضى تستخدمها مجموعة ليبفروج. وعلى الرغم من انخفاض هذا العدد منذ تلك الدراسة التي أجراها جون هوبكنز عام 2016، فلا تزال المستشِفيات في الولايات المتحدة تواجه عددًا مذهلاً من الوفيات التي يمكن الوقاية منها.

    يعد "عدم وجود تنظيم مناسب للأنشطة التي يقوم بها موظفو المنظمات الطبية الذين يرتبط عملهم بتوفير الرعاية الصحية" أحد الأسباب الأساسية للمخاطر المرتبطة بتوفير الرعاية الصحية والتي تحدث في المنظمات الطبية، والتي تتسبب في خسائر اقتصادية ومادية إضافية، وانخفاض كفاءة التدابير الحكومية الرامية إلى تطوير الرعاية الصحية، وضعف ثقة الجمهور في نظام الرعاية الصحية ككل.

    من الجدير بالذكر ضرورة الانتباه إلى ان عملية تقييم جودة الرعاية الصحية لا تعتمد فقط- على مدى كفاءة تدخل طبي معين، ولكنها -أيضًا- تعتمد على مدى أمان هذا التدخل بالنسبة للمريض. فالسلامة المتعلقة بتقديم التدخل الطبي تعني تطبيق التقنيات الطبية وإجراءات العلاج الآمنة؛ وأن تكون إقامة المرضى في تلك المؤسسة الطبية آمنة، وأن يتمتعوا بالراحة النفسية والاجتماعية الكاملة هناك. و وفقًا لحسابات عالمية منشورة فإن نفقات الرعاية الصحية الإضافية الناتجة عن إصابة المرضى أثناء إقامتهم في أقسام مؤسسات الرعاية الصحية الداخلية تبلغ حوالي 15% من إجمالي مخصصات الميزانية للرعاية الصحية العامة. وهذه النفقات تنتج عندما يصبح المسار السريري لمرض اعتيادي أسوأ من المعتاد بسبب ظهور مرض ثانوي أثناء إقامة المريض في المستشفى وما يترتب على ذلك من حاجة المريض لوقت أطول لشفائه. لذا فإن سلامة الرعاية الصحية هي منع النتائج أو الأضرار غير المرغوب فيها أثناء العلاج، أو تقليل الأضرار في حالة حدوثها. ومن أجل تجنب العواقب السلبية، يجب علينا تحديد عوامل الخطر، وتنفيذ أنشطة الوقاية، وتقييم نتائجها.

إن المخاطر المتعلقة بالرعاية الصحية للمرضى، وكذلك للعاملين في المجال الطبي تتمثل في مخاطر النفقات الإضافية المرتفعة، أو الخسائر المادية، و الانخفاض في كفاءة بعض الأنشطة الحكومية التي تهدف إلى تطوير الرعاية الصحية، وانعدام ثقة السكان في نظام الرعاية الصحية العام.

هنا يبرز مصطلح (SOP) أو مايعرف بـ" إجراءات التشغيل القياسي" وهو يعني: توجيهات واضحة وتعليمات مفصلة مطلوبة لأداء مهمة أو عملية محددة باستمرار وكفاءة، وغالبًا ما تُرى هذه الأجراءات في عدد لا يحصى من الصناعات، والتي تهدف إلى تحقيق التوحيد في التنفيذ ، وتقليل سوء التواصل ، والالتزام بالمعايير التنظيمية. و مصطلح "الإجراءات" عادةً ما يعرض بالتفصيل الأنشطة المختلفة التي يجب تنفيذها من أجل إكمال برنامج المنظمة.

بدأت مناقشة ضرورة وضع هذا المصطلح لبعض الإجراءات الروتينية التي تعتبر مهمة لتحقيق نتيجة مستهدفة منذ عدة عقود؛ وقد أدت إلى إنشاء وثيقة محددة، أو إجراءات التشغيل القياسية (SOP). وتم تقديم هذا المصطلح لأول مرة في منتصف القرن العشرين وهو عبارة عن الإجراءات الضرورية لاستكمال إجراء روتيني (متكرر)؛ وهذا الإجراء بدوره هو أحد مكونات نظام الجودة الشاملة. وتم تطوير إجراءات التشغيل الموحدة في مجال الرعاية الصحية وتطبيقها لأول مرة في الصيدلة، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نظام إدارة الجودة بالإضافة إلى الأنشطة التي يتم إجراؤها في المختبرات والأقسام السريرية.

وضع المختصون في هذا المجال المبادئ الأساسية (خوارزمية) لتطوير إجراءات التشغيل القياسية (SOP) المستخدمة لضمان السلامة في مجال الرعاية الصحية والتي يمكن اعتبارها عالمية ويمكن تطبيقها في أي منظمة رعاية صحية. ووفقًا للمبادئ المذكورة ومع أخذ أهميتها بعين الاعتبار، وصف المختصون أنواعًا معينة من الأنشطة التي يؤديها موظفو الرعاية الصحية وقاموا بتطوير إجراءات التشغيل القياسية في مجال سلامة الرعاية الصحية. وفي الوقت الحالي يتم إجراء الأبحاث حول كفاءة تنفيذ SOP في المؤسسات الطبية.

إن توافق المعايير التنظيمية مع سياسات وإجراءات الرعاية الصحية سيساعد في توجيه الموظفين على اتباع الإجراءات المناسبة . واليوم .. لا يوجد أي سبب يبرر عدم تحديد الإجراءات اللازمة لضمان السلامة المطلوبة للمرضى والمتخصصين في الرعاية الصحية. فما بالكم بإهمال إعداد طرق منهجية محددة لضمان سلامة الرعاية الصحية.

تتطلب كتابة سياسات وإجراءات الرعاية الصحية الفعالة في منظمات الرعاية الصحية قدرًا كبيرًا من الوقت والجهد والاهتمام بالتفاصيل التي تتضمن عملية متعددة الخطوات من الكتابة والمراجعة والموافقة. لتكون هذه العملية في النهاية جانبا رئيسيا لكيفية عمل مؤسسات الرعاية الصحية ومواءمتها مع المعايير التنظيمية.

يجب أن تعكس الإجراءات قيم المنظمة، وتحدد عمليات الأنشطة اليومية وتكون بمثابة دليل لتقليل المخاطر وتحسين الجودة. وقبل أن تبدأ أي مؤسسة العمل على مكتبة الإجراءات الخاصة بها، من المهم معرفة الإجراءات الفعالة وكيفية إدارتها بشكل أفضل.

إجراءات الرعاية الصحية تضع خطة عمل واضحة لتنفيذها. وهي توفر إرشادات خطوة بخطوة للموظفين، مما يساعد على توضيح المبادئ التوجيهية وإزالة سوء الفهم. وللبدء، يجب أن توضح الإجراءات بالضبط متى؟ وكيف؟ يتم اتخاذ الإجراء في مواقف محددة. ويجب عليهم -إن أمكن أيضًا- توفير خيارات بديلة مقبولة لأي خطوات.

إحدى الطرق الرائعة للتفكير في الإجراءات هي تصور خارطة طريق توفر التوجيه وتسلط الضوء على التفاصيل لمساعدة الموظفين على البقاء على المسار الصحيح وتقديم رعاية جيدة. فقد يكمن سبب التهديد للحياة والصحة في أي منظمة طبية في موظفيها؛ لكون أنشطتهم المهنية يمكن أن يكون لها آثار سلبية مباشرة -أوحتى غير مباشرة على المرضى- في بعض الأحيان. وفي أغلب الأحيان تكون هذه الأفعال غير مقصودة لأنها تنتج عن نقص في المعرفة والمهارات، أو بسبب عدم وجود الظروف المناسبة لأداء المهام الوظيفية. ولعل أحد الأسباب الأساسية لذلك هو عدم وجود لوائح مناسبة بشأن الوظائف التي يتعين على موظفي المنظمة الطبية القيام بها عندما يتعاملون مع الأنشطة الطبية الروتينية.

ذكرت منظمة الصحة العالمية هذا السبب عندما ذكر خبراؤها أن عدم كفاءة النشاط الطبي يتم تحديده في الغالب بسبب ضعف المعرفة أو التطبيق غير السليم للمعايير والبروتوكولات السريرية؛ أو بسبب غياب المبادئ التوجيهية والتوصيات؛ أو بسبب عدم كفاية المراقبة.

وعليه يمكننا القول أن إجراءات التشغيل القياسية (SOPs) هي الاتجاه السائد في ضمان سلامة الرعاية الصحية. فهي تعمل على تحديد الهدف، وتحديد المهمة، وتحديد من يجب أن يفعل ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟. وهي تحتوي على أوضح وصف ممكن لسلاسل العمل التي يجب إكمالها. ومن أجل تحقيق تصور أكبر وفهم أفضل للإجراءات الموصوفة بواسطة SOP، يمكن أن تحتوي على أشكال أو رسوم بيانية أو جداول أو صور. وتتمتع بمزايا عدة: فهي تقلل من احتمالية عدم فهم الموظفين لمسؤولياتهم بشكل كامل، وتوفر إمكانية المقارنة والتوافق مع المتطلبات القياسية.

يتعين على جميع المنظمات الطبية، بغض النظر عن تبعيتها الإدارية وشكلها القانوني، تنفيذ إجراءات التشغيل الموحدة في أنشطتها.

 

الحديث ذو شجون .. لكن في هذا القدر كفاية .. دمتم بخير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة