قراءة | وثنية العصر ( الجهل ) تقوض دعائم التحديث ..

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة 

قبل قرابة خمسة عشر قرنا كان عالمنا العربي يقبع خارج تغطية التاريخ .. كان قابعا هناك بلا هدف، ولا رؤية، ولا رسالة .. حاله حال مريض استسلم لمرضه .. بل بات المرض قطعة من كينونته .. إلى أن جاء الرسول الهاشمي القرشي فحدد الهدف ،، وحدد الرؤية .. وأعلن الرسالة .. وباستراتيجية فذة أسس لنهضة شمولية للعرب ولكل من لحق بركبهم في حمل هم الرسالة التي جاء بها -عليه الصلاة والسلام-  إلى كل بقاع العالم. 

ثم ما تزال الحال تتبدل وتتغير .. وترتفع وتنخفض في مد وجزر .. في صحة ومرض .. في موجة جيبية تعكس العلو والارتفاع .. السمو والانحدار.

إن من أهم عوامل الفلاح والنجاح أن تتكون لدينا فكرة صحيحة عن ( المرض ) ! .. وحتى يتسنى لنا ذلك فلابد من التشخيص الصحيح لتحديد سمات هذا المرض وأعراضه. 

لن يجدينا نفعا طول الحديث عن المرض! ولا إظهار الشعور به ! فهذا ابدا ليس هو العلاج.

نحن بحاجة ماسة لمعرفة المرض الحقيقي لهذه الأمة .. لتحديد الطريقة الصحيحة للعلاج .. ولمعرفة ماهية العوامل والركائز الأساسية لنتمكن من وضع الخطة اللازمة لإعادة نهضة حضارية شاملة على الساحة. بل ولا بد من معرفة ماهية الخطة التي تجعل خطانا ثابتة على طريق النهضة بحضارتنا التي بات لزاما عليها أن تعود للواجهة.

لا يستهينن أحد بالحضارة فهي التي تفصل بيننا وبين الهمجية والفوضى ..ولا حضارة تبنى دون عملية ثقافية دؤوبة .. تكون هي صمام الأمان للمجتمع وسيادته ..

ولو دققنا النظر في الحضارة العربية الإسلامية خصوصا .. وتلك النهضة العربية الشمولية في بداية عصر الإسلام لوجدنا أن العقيدة الإسلامية وما انطوت عليه من مباديء وأخلاق هي التي أسست للحضارة العربية الإسلامية.. وأن ذلك الوازع الديني هو الذي حطم أغلال التخلف والهمجية .. وأصلح نفوس الأفراد .. وأصبحت أعينهم تسبقهم إلى ما وراء هذا الكون فانطلقت جوارحهم في فاعلية منقطعة النظير.

حضارة اعتنت بأدق التفاصيل .. حتى أنها بادرت إلى العناية بنظافة الفرد الخارجية في جسده وبيته وشارعه .. حضارة تكلمت حتى في نظافة الفم والأسنان .. فما زال جبريل يوصي محمد بالسواك حتى خشي أن يدرده !. 

وأما نظافة المجتمع المعنوية فحدث بكل فخر كيف اعتنت الرسالة الهاشمية بنظافة القلوب من الغل والحقد والبغضاء والحسد .. وجرمت الكذب أيما تجريم، ورفعت مقام الصدق والصادقين، وجعلت الأمانة تاج الفرد الذي ما ينبغي أن ينزعه حتى آخر يوم ونفس في حياته.

النبي الهاشمي القرشي ربى فريقه على تلك القيم .. وغرس في نفوسهم الحرص على مصلحة المجتمع حتى وإن كان ذلك على حساب الفرد نفسه .. ضحوا بأنفسهم وأموالهم وذويهم.. واسهروا ليلهم في التفكير بكل ما ينفع مجتمعهم فلما نجحوا بادروا لنشر تلك القيم في كل المجتمعات حتى عبروا القفار والسهول والبحار والأنهار، فوصلوا الصين والهند والسند وبلاد كانت لآبائهم مجرد حلم يستحيل تحقيقه.

بعبارة أخرى: رسالة هاشمية قررت أنه لا بد من صلاح الفرد كي تقوم الحضارة .. لا بد من سيادة الأخلاق الرفيعة في المجتمع والتي لا يدفع إليها دافع كوحي هابط من السماء. فمتى غابت الاخلاق انطلقت النفوس حسب غرائزها ...فسادت في الناس لغة الأرقام .. وصارت الحضارة في نظر هذه النفوس المريضة هي السلاح للظلم والقهر والاستعمار والاستبداد.

القيمة الحقيقية لاتكمن في المنشأة ولا البناية الجديدة إذا لم نعتني بصناعة الفرد في المجتمع.

وقد تولد الحضارة وتعلو لكن لا بد أن يعقبها تدهور ينشأ بتدهور الأفراد فيها؛ لذا فإن المؤرخ والباحث الموسوعي "اشبنجلرت" يرى أن الحضارة كائن حي، يولد وينمو، ويكبر ويهرم، ويموت.

وهو عين ما أشار إليه المؤرخ والباحث الموسوعي عبد الرحمن بن خلدون، الذي يرى أن خط سير الحضارة في أي أمة من الأمم يمر بالمراحل الأربعة الآتية: (مرحلة البداوة، ومرحلة الحضارة، ومرحلة الترف، ومرحلة التدهور).

إن تدهورنا وتراجعنا أمام غيرنا مكمنه تراجع الفرد في أخلاقه وتدهوره في مبادئه.

قد يقول قائل: الفساد أكبر من أن يزال (!) ونسي هؤلاء أن محمد بن عبد الله حين بدأ رسالته كان فردا إذا  أراد أن يصفي نفسه اعتزل في غار وحده  . . كدليل مادي واضح على نوعية المجتمع الذي كان يعيش فيه.

نحن بحاجة إلى أفراد همهم الأوحد محاربة الوثنية المتمثلة في جهل الفرد بقدراته، وجهله بما يمكن أن يقدم في خدمة بلده ومليكه ووطنه وبني شعبه !.

إن وثنية هذا العصر قد تجعل من الفرد معول هدم في مجتمعه .. وداعية حرب على بني جلدته .. وخائنا لوطنه ومليكه وبني شعبه .. ومدمرا لأي أمل في عودة حضارتنا إلى الواجهة.


دمتم بخير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شكرا أبا هيثم .. شكرا محمد الوكيل ،،

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..