قراءة | الموت القادم .. الشرق الأوسط في خطر

 قراءة | الموت القادم .. الشرق الأوسط في خطر 

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة 

كنت أستطلع الأرقام الخاصة بأعداد المصابين بالكوليرا في إفريقيا - التي تقف على مماسة تامة مع الشرق الأوسط فاستشعرت الخطر القادم. فحتى بداية شهر مارس الماضي أفادت التقارير بأن أكثر من ٣٣٥٠٠٠ مصاب أصيبوا بمرض الكوليرا في إفريقيا وحدها نتجت من بضع عشرة دولة إفريقية كان من بينها أكثر من ٦٠٠٠ حالة وفاة. ولدى البحث وجدت أن البؤرة الرئيسية لهذا المرض كانت في شرق الكونغو الديمقراطية الذي فتتته الحروب والصراعات المسلحة، ناهيك عن الكوارث الطبيعية، مما يجعل هذه الظروف متى نشأت في أي مكان في العالم علامة شر قادم.

ونظرة فاحصة إلى وضع مماثل كالذي يجري في اليمن الشقيق الذي نسأل الله أن يفرج هم إخوتنا اليمنيين مما جلبته عليهم الحروب والصراعات، نجد أن الإحصائيات تفيد بأن حالات الاشتباه بمرض الكوليرا يوميا تتراوح بين ٥٠٠ - ١٠٠٠ حالة، والتوقعات تشير إلى احتمالية أن يصل عدد المصابين بالكوليرا قرابة الربع مليون إصابة بحلول الثلث الأخير من هذا العام ٢٠٢٤م.

ذهبت أراجع الأرقام في السودان - وما أدراك ما السودان فرج الله كربته - فهو مثال اخر على ما تخلفه الحروب والصراعات المسلحة من ويلات حتى أن حالات الإصابة بالكوليرا في العام الفائت ٢٠٢٣ بلغت ثلاثة أرباع المليون مصاب، وهو مايعادل ضعف عدد المصابين بنفس المرض عام ٢٠٢٢م. فهل نحن أمام إشارات بتضاعف اعداد المصابين هذا العام ٢٠٢٤.

إن انتشار مرض الكوليرا في اي مكان في العالم يعد مؤشرا على سوء مياه الشرب وأنظمة الصرف الصحي، وعدم فعالية أنظمة التخلص من النفايات.

إن الصراعات والحروب والكوارث تدمر البنية التحتية وتضرب سلاسل التوريد في العمق مما يعني معاناة القاطنين في تلك المناطق من توافر الأغذية اللازمة والأدوية واللقاحات الأساسية وهذا بدوره يعني المعاناة من سوء التغذية وخاصة لدى الأطفال، وتهديد حياة كبار السن بسب النقص في أدوية الأمراض المزمنة، وعدم وجود لقاحات او كفايتها. وتزداد المخاطر بانتشار مرض الكوليرا في تلك البيئات المعقدة إذا تأثرت بفيضانات وأمطار تساهم بشكل مباشر في انتقال العدوى.

لا يمكن الاستهانة بالكوليرا خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، فالجفاف السريع بسبب حالة الإسهال الحاد تؤدي إلى فشل الأعضاء، ولربما الوفاة خلال ساعات قليلة كما يفيد الأخصائيون. أضف إلى كل ما سبق فإن ثمة أزمة في توفير اللقاحات اللازمة ضد الكوليرا والتي توفر مناعة لمتلقيها تصل إلى ثلاث سنوات، ناهيك عن معضلة سلاسل التوريد، فإن نسبة الأرباح المنخفضة لهذه اللقاحات، والتي لا يمكن أن ترتفع إلا برفع كميات المبيعات، لايشجع مصنعيها على زيادة الإنتاج.

ووفق "جافي" -التحالف العالمي للقاحات والتحصين - فإن احتياجات العالم خلال عامي ٢٠٢١ و ٢٠٢٢ كان قرابة الخمسين مليون جرعة لم يتم توفير سوى ٣٥ مليون جرعة منها. 

ومما زاد الطين بلة توقف الشركات عن تصنيع لقاح رئيسي فموي للكوليرا وهو لقاح Shanchol مما دفع منظمة الصحة العالمية التوصية باستخدام جرعة فموية واحدة بدل جرعتين لسد النقص الحاصل في اعداد اللقاح.

إن الأوضاع المأساوية التي يعاني منها قطاع غزة المنكوب ينذر بتفجير حالة وبائية تهدد كافة دول المنطقة. وفي تقرير أعده كبار الأطباء في الأراضي الخاضعة للحكومة الإسرائيلية بشأن الوضع الصحي بغزة وقّع عليه نقابة أطباء الصحة العامة، وأخصائيون طبيون من المستشفيات والجامعات (في إسرائيل) قاموا فيه بالتحذير من أن الأوبئة التي تنتشر في قطاع غزة نتيجة تدمير البنية التحتية للطاقة والمياه تشكل تهديداً على الشعب الإسرائيلي واهم ماجاء فيه:

- 312 ألف شخص يعانون من التهاب الجهاز التنفسي الحاد

- 220 ألف مريض يعانون من الإسهال الحاد، أكثر من نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة

- 6600 حالة إصابة بالجدري المائي بالإضافة إلى انتشار كبير لالتهاب الكبد الوبائي.

- إن مياه الصرف الصحي المتدفقة إلى البحر في غزة ستنتقل أيضًا إلى إسرائيل وهناك خطر من أن تلوث شواطئها. والأوبئة لا تعرف حدودا.

- احتمال أن تنقل الحيوانات الأمراض إلى إسرائيل، ومن بين أمور أخرى، فإن البعوض الذي سيبدأ موسمه قريبا يمكنه أن يحمل وينقل الأمراض بين الناس، وبالتالي يسبب العدوى في البلاد.

وفي تقرير أعده باحثون مستقلون من الولايات المتحدة وبريطانيا قبل خمسة أشهر من الآن أفادوا بأنه من الممكن أن يموت حوالى ثمانية آلاف شخص آخرين في قطاع غزة خلال الأشهر الستة اللاحقة، حتى لو توقف القتال حينها، فكيف والقتال لم يتوقف حتى اللحظة، والأوضاع تزداد سوءاً في القطاع. والوفيات الناجمة عن سوء التغذية والأمراض المعدية مثل الكوليرا وعدم القدرة على تلقي الرعاية لأمراض مثل السكري ستقتل الآلاف أيضا.

من جهتها، قالت منظمة الصحة العالمية: إن درجات الحرارة المرتفعة في قطاع غزة قد تؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية التي يواجهها الفلسطينيون الذين نزحوا بسبب القصف الإسرائيلي والقتال العنيف.

وحذر برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة من أن أزمة صحة عامة هائلة تلوح في الأفق في غزة بسبب نقص المياه النظيفة والغذاء والإمدادات الطبية.

وذكر بيبركورن- ممثل منظمة الصحة العالمية في غزة - أنه وفي غزة وبسبب سوء حالة المياه والصرف الصحي، ارتفع عدد حالات الإسهال 25 مرة عن المعتاد.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، ترتبط المياه الملوثة وسوء منظومة الصرف الصحي بأمراض مثل الكوليرا والإسهال والزحار (الدسنتاريا) والتهاب الكبد الوبائي (إيه).

الخلاصة .. هناك كارثة بيئية تنتظر الشرق الأوسط بسبب الحرب على غزة.. في اللحظة التي يواجه العالم فيها التغيرات المناخية فجاء العدوان الإسرائيلي ليفاقم معدلات التلوث وانتشار الأمراض.. وهناك ست دول مهددة بأضرار بيئية نتيجة تراكم النفايات (التي تجاوز 300 ألف طن من النفايات المنزلية والنفايات الطبية ) وتراكم الجثث وأطنان القذائف. وقد تم إطلاق تحذيرات من ظهور أمراض جديدة، أو عودة أخرى بعد القضاء عليها نتيجة التلوث البيئي بغزة.

الآثار البيئية المرعبة للقنبلة التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي أقل بكثير مما ينتج عن مخاطر بيئية تهدد الشرق الأوسط بسبب جرائم الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن التقديرات التي شملت أول 3 أشهر فقط من الحرب على غزة، تحدثت عن مجمل القنابل والمتفجرات التي ألقتها اسرائيل على غزة بمعدل 65 ألف طن، أي ما يعادل 3 أضعاف وزن قنبلة هيروشيما !! فكم بلغ الرقم الآن ؟!.

أطلق الاحتلال الإسرائيلي مايقارب 281 ألف طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري في أول 60 يوما فقط من حرب الإبادة، وهو ما يعادل حرق 150 ألف طن من الفحم. فكم بلغ الرقم الآن بعد هذه الشهور؟!

نعم .. سيكون صيفا قاسيا جدا على المنطقة.. وستدفع المنطقة برمتها ثمن مايفعله الإسرائيليون في غزة.

هناك 60 مليون طن متري مكافئ لثاني أكسيد الكربون نتيجة هدم المباني وهذا يتمثل في عناصر متطايرة وثقيلة والغبار الناتج عن عمليات القصف واستخدام المتفجرات بأنواعها بجانب حوالى 1,29 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استهلاك الوقود للآليات العسكرية سواء دبابات أو قاذفات أو غيرها، بالإضافة لاستخدام الذخائر تم تحويلها إلى 3 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

وتشير دراسة إلى أن الإسرائيليين يستخدمون 50000 قذيفة يوميًا أي 1.85 مليون قذيفة خلال 35 يوما، كما يتم تدمير كميات كبيرة من الذخائر في الضربات على المستودعات، مما يؤثر على الانبعاثات، حيث إن الانبعاثات المتوسطة من ثاني أكسيد الكربون المكافئ لكل قذيفة مدفعية مستخدمة في هذا العدوان تبلغ تقريبا 1.4 طن، مما ينتج عنه تقريبًا 2.59 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ في الجو. كما أنه وبسبب الركام وتراكم النفايات الصلبة، أصبح هناك العديد من القوارض والحشرات التي تنتشر وهذا يؤدى إلى نقل الأمراض.

هناك آلاف الحالات من الإصابة بجدرى الماء، وعشرات من حالات متلازمة الطفح الجلدي والمئات من حالات الإصابة باليرقان الحاد، وعشرات حالات الإصابة بمرض السحايا.

حجم الكارثة البيئية التي ستحل على منطقة الشرق الأوسط نتيجة العدوان الإسرائيلي سيكون هائلا .. ومواجهة الآثار البيئية المدمرة الناتجة عن الحرب على غزة ستستغرق سنوات عديدة وقد تصل لعقود، ولن ننسى أن الكثير من الدول الأوروبية لازالت تعاني من تبعات الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، كما أن أوكرانيا تتحدث عن عدم مقدرتها حتى الآن عن تحديد التكلفة للإبادة البيئية بسبب الحرب.

إن التبعات والعواقب البيئية للعدوان الإسرائيلي على غزة ستمتد لسنوات طويلة، وتطال المنطقة أجيالا قادمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة