قراءة| أوشكت رحلتنا على نهايتها .. ولا زالت الإدارة الاستراتيجية تغرينا لنكتب أكثر وأكثر

عندما قررت شركة Cisco أن تتبنى استراتيجية النمو من خلال عمليات الاستحواذ، وضعت سياسة لها مفادها أن تستهدف -فقط- الشركات التي لا يزيد عدد موظفيها عن 75 موظفًا، بحيث يكون 75٪ منهم من المهندسين.

والسؤال هنا: ماذا أردنا بقولنا: (سياسة)؟

السياسة في علم الإدارة عبارة عن مبدأ توجيهي عام لصنع القرار يربط صياغة الاستراتيجية بتنفيذها. وتستخدم المنظمات السياسات للتأكد من أن الموظفين في جميع أنحاء المنظمة يتخذون القرارات والإجراءات التي تدعم مهمة الشركة وأهدافها واستراتيجياتها. 


تعتمد شركة 3M سياسة مفادها أن الباحثين يجب أن يقضوا 15٪ من وقتهم في العمل على شيء آخر غير مشروعهم الأساسي. (هذا يدعم استراتيجية تطوير المنتجات القوية لشركة 3M). في حين تعتمد شركة Intel سياسة مفادها تفكيك خط إنتاجها الحالي ( وهذا سيقلل من مبيعات منتجاتها الحالية) وتصميم خط انتاج لمنتجات أفضل قبل أن يفعل المنافس ذلك. (هذا يدعم هدف Intel المتمثل في قيادة السوق).

أما شركة جنرال إلكتريك فتعتمد سياسة مفادها أن تكون جنرال إلكتريك رقم واحد أو اثنين أينما تنافست. (يدعم هذا هدف جنرال إلكتريك ليكون رقم واحد في القيمة السوقية). أما شركة خطوط "ساوث ويست الجوية" فاعتمدت سياسة مفادها عدم تقديم أي وجبات أو مقاعد محجوزة على متن الطائرات. (يدعم هذا استراتيجية "ساوث ويست" التنافسية المتمثلة في الحصول على أقل التكاليف في الصناعة). في حين أن شركة إكسون فلا تتابع إلا المشاريع التي ستكون مربحة حتى عندما يصل سعر النفط إلى مستوى منخفض. (هذا يدعم هدف الربحية لشركة Exxon)، وعموما فإن مثل هذه السياسات توفر إرشادات واضحة للمديرين في جميع أنحاء المنظمة.


يسعدني القول لكل من تابع مقالاتي منذ البداية أننا وبخوضنا غمار وضع السياسات الخاصة بالمنظمة فإننا سنكون قد أنهينا "صياغة الاستراتيجية". فقد بدأنا هذه الرحلة في الإدارة الاستراتيجية بقطع المرحلة الأولى منها والتي تضمنت عملية مسح لبيئية المنظمة الداخلية والخارجية والتي أسها هو "جمع المعلومات". فجمعنا معلومات البيئة الخارجية بفرصها وتهديداتها (البيئة الطبيعية:الموارد والمناخ، والبيئة المجتمعية: القوى العامة، وبيئة المهام: تحليل الصناعة)، وجمعنا المعلومات عن البيئة الداخلية للمنظمة ومواطن القوة والضعف فيها (الهيكل التنظيمي: سلسلة القيادة، والثقافة السائدة: المعتقدات والتوقعات والقيم، والموارد المتاحة: الأصول والمهارات والكفاءات والمعارف).


بعد أنهينا المرحلة الأولى انتقلنا إلى المرحلة الثانية من الإدارة الاستراتيجية والتي كان عنوانها "صياغة الاستراتيجية"، والتي بدأت بحديثنا عن مهمة المنظمة (سبب وجودها)، ثم تحدثنا عن أهداف المنظمة (ما هي النتائج التي يجب تحقيقها ومتى؟). ثم كان لنا حديث حول وضع الاستراتيجيات بأنواعها (خطة لتحقيق المهمة والأهداف). وأخيرا .. وضع السياسات (مبادئ توجيهية عامة لصنع القرار). فبوضع السياسات تنتهي المرحلة الثانية ونكون بذلك قد صغنا استراتيجية المنظمة (وضع خطط بعيدة المدى). 

بمجرد انتهاء المنظمة من صياغة استراتيجيتها تبدأ المرحلة الثالثة والتي هي تنفيذ هذه الاستراتيجية التي تم وضعها وصياغتها.

تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المستشفيات ومنظمات الرعاية الصحية تعتقد أن التغير السريع للأمور في الرعاية الصحية سبب لتجنب التخطيط الاستراتيجي بحجة أن هذا التغيير السريع من المؤكد أنه سيعرقل حتى أفضل الخطط الموضوعة.

 لكن الحقيقة هي أن الإستراتيجية يمكن أن تكون أفضل مصدر لك في أوقات التغيير، طالما أنها ترتكز على مهمتك ورؤيتك. فهي تقدم خطة يدركها جميع الموظفين ويعملون باستمرار من أجلها. 

يجب أن تكون الإستراتيجية بمثابة دليل لجميع القرارات المهمة للتأكد من بقاء منشأتك على المسار الصحيح.


وفقًا لــ"معهد الطب الأمريكي"فإن تطوير السياسات يعد  وظيفة أساسية للصحة العامة، ويقع على كاهل المهنيين العاملين في مجال الصحة العامة دور هام في وضع السياسات من خلال إجراء البحوث ذات الصلة بالسياسات، وإبلاغ النتائج بطريقة تيسر العمل، وإقامة الشراكات، وتشجيع الاستخدام الفعال للموارد من خلال تعزيز السياسات القائمة على العلم - مثل تعزيز التدخلات الصحية القائمة على الأدلة.


من خلال مراجعاتي وجدت أن الكثير من منظمات الرعاية الصحية تحاول أن تكون كل شيء  ! لتجد أن استراتيجياتهم  تمس كل قاعدة يمكن تخيلها تقريبًا، فهي تريد أن تكون الأفضل في البحث والابتكار، وفي نفس الوقت تريد خدمة أكبر عدد ممكن من المرضى، إلى كونها تتمحور حول العملاء، إلخ. 


ركز استراتيجيتك وإن اضطررت إلى التصريح بكونها ضيقة ! وإني أعلم أن هذا يتطلب منك الشجاعة ! وقد تشعر كما لو أنك تفوت فرصًا للتحسين .. لكن في الواقع، أنت تخاطر بعدم التفوق في أي شيء متى كنت تحاول تحقيق كل شيء. 


قف على أرضية من الصخر ووجه مواردك وطاقتك لتحقيق اهداف محددة تضمن تحقيقها ولا توزع جهدك هنا وهناك لتكتشف أنك لم تحقق أي شيء من أهدافك.


من العجب العجاب أن توضع وتصاغ الاستراتيجية دون أن تقوم بالمواءمة بين الخطة والاعتمادات أو الشهادات الجارية. فمن المنطقي أن منظمة تعنى بالرعاية الصحية وتسعى للحصول على الاعتمادية أو حتى إلى جائزة (ما) أن تكون خطتها تتوافق مع هذا الهدف، وأن توجهها في الاتجاه الصحيح، وتدعم تتبع جميع البيانات المطلوبة من قبل الإدارة.


  وأختم مقالي بنصيحة لكل من تصدر هذه المهمة: الخطط الاستراتيجية فعالة فقط إذا كان الجميع يعرف عنها. فهناك شيء واحد تميل العديد من المؤسسات إلى نسيانه: أنه وبغض النظر عن مدى جودة استراتيجيتك، فلن تنجح إذا كان موظفوك لا يعرفون كيفية التوافق معها، أو - وقوع ما هو أسوأ- إذا كانوا ببساطة لا يعرفون عنها ... لذلك يمكن لاستراتيجية الاتصال الداخلية الخاصة بك أن تصنع أثرا عظيما لجهودك أو تهدم كل شيء. 

ستحتاج إلى الأسئلة الخمسة: من؟ ولماذا؟ وماذا ؟ومتى؟ وأين؟.

من الجمهور المستهدف للمشاركة في العملية؟. وبعد تحديد الجمهور المستهدف، ينبغي تعيين جهة اتصال لكل مجموعة مهمتها نشر الرسالة بفعالية.

و لماذا، وماذا؟ تكشفان الغرض من خطة الاتصال والذي هو نقل الهدف الأصلي وراء تنفيذ الخطة. والإجابة: نحن ننفذ خطة الاتصال لتوليد المشاركة والالتزام من أصحاب المصلحة الرئيسيين. ومتى؟ يجب أن تصل الرسالة؟  إذا لم تكن متأكدًا من حجم الاتصال المطلوب، فمن الأفضل دائمًا أن تخطئ في جانب الكثير من أن تهمل من يجب أن تصل إليه.

ستحتاج أيضًا إلى إنشاء عروض تقديمية مخصصة لأصحاب المصلحة الآخرين والإداريين وأعضاء المجتمع وما إلى ذلك.

لا تطلق استراتيجيتك للعلن وأنت لم تثق بعد بقدرتك على التنفيذ.


للحديث تتمة .. دمتم في عافية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة