قراءة | مستقبل العلاقة الأردنية – السورية في عهد أحمد الشرع: ترقب حذر وفرصة استراتيجية
✍️ بقلم: المهندس خالد بدوان السماعنة
بين الجغرافيا والتاريخ .. ظلت العلاقة بين الأردن وسوريا محكومة بالحدود المشتركة والتقلبات الإقليمية. ومع دخول سوريا مرحلة جديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، تبرز تساؤلات جوهرية حول شكل العلاقة القادمة بين دمشق وعمّان، في ظل تحوّلات سياسية وأمنية حاسمة.
الشرع... تغيير في الشكل، وحذر في المضمون ...
لم يكن الأردن من أول المرحّبين العلنيين بوصول أحمد الشرع إلى الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكنه لم يذهب بعيدًا عن الموقف العربي العام الذي رأى في المرحلة الانتقالية فرصة لإنهاء عقد من الفوضى والصراع.
"أحمد الشرع" القادم من خلفية إسلامية محافظة، حاول سريعًا رسم ملامح "سوريا جديدة" تنفتح على العالم العربي، وتقطع سنوات من التبعية المطلقة لإيران وروسيا. هذا الطرح وجد صدىً أوليًا في عمّان، التي لطالما ربطت أمنها الوطني بما يجري على الساحة السورية، خاصة في الجنوب.
الأمن أولًا: اختبار نوايا متبادل ..
منذ 2018، شكّل ملف تهريب الكبتاغون والسلاح عبر الحدود الأردنية – السورية تهديدًا وجوديًا للأردن، تسبب في مقتل جنود وتهريب مئات الملايين من الحبوب المخدرة.
الرئيس الجديد أحمد الشرع تعهّد خلال لقاءات مغلقة مع أطراف عربية وأممية بضبط الحدود، ووقف أنشطة الميليشيات الخارجة عن السيطرة، خصوصًا تلك المرتبطة بإيران والفرقة الرابعة.
ووفق مصادر سياسية، فقد بدأت الأجهزة الأردنية تتواصل أمنيًا مع نظيراتها السورية الجديدة لترتيب عمليات تنسيق ميداني.
لكنّ عمّان، رغم هذا الانفتاح، لا تزال تتحفّظ في التعامل السياسي العلني، بانتظار أن ترى على الأرض:
- إضعافاً لنفوذ الميليشيات الموالية لطهران جنوبًا.
- وبدء خطوات واضحة لإعادة اللاجئين السوريين الطوعية.
تحديات لا يمكن تجاهلها ،،،
رغم الخطوات الإيجابية، إلا أن هناك مخاوف أردنية مشروعة من عدة عوامل:
1. خلفية الشرع الفكرية التي تقاطعت سابقًا مع جماعات سلفية كانت توصف بالتطرف.
2. غياب خطة سورية واضحة حول مستقبل اللاجئين، وهم الذين يشكّلون عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا هائلًا على الدولة الأردنية.
3. خشية من الفوضى المسلحة إذا ما فشل الشرع في بسط سيطرته على إدلب ومناطق النفوذ التركي والكردي، مما قد يعيد مشهد "الفراغ الأمني".
المعابر والاقتصاد: بوابة العودة التدريجية ،،،
واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا بين الطرفين هي معبر نصيب – جابر، الذي يُعدّ شريانًا تجاريًا حيويًا للأردن، ونقطة عبور نحو لبنان وسوريا وتركيا. وإعادة فتح المعبر مرفقًا بإجراءات رقابية صارمة، تزامنًا مع تحسّن الأوضاع الأمنية في درعا بعد خطوة في الاتجاه الصحيح.
هذا الملف الاقتصادي قد يتحوّل إلى جسر دبلوماسي إذا أحسن الطرفان استثماره، لا سيما في ظل تعطّش سوريا لأي منفذ لإعادة الإعمار، وحرص الأردن على تعزيز صادراته.
إلى أين تمضي العلاقة؟ ..
المؤشرات الأولية توحي بأن الأردن لا يغلق الباب أمام الشرع، لكنه لن يمنحه شيكًا على بياض.
إنها علاقة تقوم على "مراقبة الأفعال لا الأقوال"، وعلى اختبار نوايا القيادة السورية الجديدة في ملفات السيادة، والأمن، والتوازن الإقليمي.
وربما تحمل الأسابيع المقبلة مفاجآت، إذا تمكّن أحمد الشرع من إقناع جيرانه العرب بأنه ليس مجرّد وجه بديل لنظام قديم... بل بداية عهد جديد قادر على ضمان الاستقرار، وبناء الدولة، والالتزام بجوار آمن لا يتسرّب منه الخطر.
الخلاصة ،،،
العلاقة الأردنية – السورية في عهد أحمد الشرع تقف على عتبة فرصة ثمينة. فإذا أحسن الطرفان إدارتها بعقلانية، بعيدًا عن الإيديولوجيا والخطابات المعلبة، فقد نكون أمام بداية مرحلة تعاون إقليمي جديد. أما إذا طغت الحسابات الضيقة، فإن الحدود ستبقى كما كانت في العقد الماضي: نارًا تحت الرماد.
رسالة للرأي العام الأردني ،،،
في ظل ما تشهده الساحة السورية من تحوّلات دراماتيكية، آن الأوان أن يتعامل الشارع الأردني بعين التحليل لا بعاطفة الحذر أو الإدانة المسبقة. سوريا الجارة ليست عبئًا جغرافيًا أو أمنيًا، بل عمقٌ استراتيجي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله.
على الأردنيين أن يدركوا أن استقرار الجنوب السوري هو استقرار للبادية الأردنية، وأن أي دعم سياسي مشروط يقدّمه الأردن الآن يمكن أن ينعكس غدًا على أمنه الحدودي، وعلى فرص التجارة، وحتى على ملف اللاجئين الذي أنهك مؤسسات الدولة.
إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف علاقتنا بسوريا، ليس عبر أنظمة، بل عبر مصالح واستراتيجيات طويلة الأمد تحفظ كرامة الشعب السوري، وأمن الدولة الأردنية في آن معًا.
تعليقات
إرسال تعليق