قراءة| حل الدولتين ... «الرياض» والامتحان الصعب.

 قراءة| حل الدولتين ... «الرياض» والامتحان الصعب.

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة 

« حل الدولتين » عبارة نسمعها منذ زمن بعيد على لسان الزعماء والساسة في شتى أنحاء العالم، وغالب من يسمع أو يقرأ هذه العبارة فإنه ينتقل بعقله إلى أرض فلسطين ليفهم أن المراد منها آلية حل الصراع بين الكيان الصهيوني المحتل والفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية.

آلية حل الصراع القائمة على تنازل العرب عن آلية الحل الواحدة السابقة والقائمة على عودة فلسطين التاريخية كاملة  لشعبها والتي احتلت عام ١٩٤٨ ثم ١٩٦٧م، ليصبح الحل الجديد في قيام دولتين فلسطينية وأخرى إسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية، ولتختزل أرض فلسطين بالأجزاء التي احتلها الكيان الصهيوني عام ١٩٦٧م. وأما ماتبقى فهو دولة إسرائيل. وهذا هو ما أُقِرَّ في قرار مجلس الأمن ٢٤٢ بعد حرب ١٩٦٧ وسيطرة الحكومة الإسرائيلية على باقي أراضي فلسطين التاريخية. وبنفس هذا الفكر بدأت المفاوضات في اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.

الجدير بالذكر أن  الجهود الأمريكية كانت حثيثة وداعمة لترسيخ حل الدولتين على أرض فلسطين، خاصة وأن هذا الملف بالنسبة للولايات المتحدة ذو علاقة وطيدة بتحقيق أمن دولة الكيان في المنطقة، لاسيما وأن هذا الملف بات العائق الوحيد أمام استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم على عدة محاور: أهمها: تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية و الحكومة الإسرائيلية حسب ما أوردته وسائل الإعلام الغربية والعالمية المختلفة. وهذا الحرص من الحكومات الأمريكية المتعاقبة ليس إلا إمعانا في الحفاظ على أمن إسرائيل والإسرائيليين.

لقد صرحت الرياض مرارا وتكرارا أنه لن يكون أي اتفاقات مع الكيان المحتل إلا بعد تقرير مصير الفلسطينيين وإعادة حقوقهم إليهم. فما بالنا وغزة تشتعل بنيران الكيان المحتل؟

في تصريح حديث لوزير الخارجية الأمريكية "أنتوني بلينكن"، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ يقول فيه: إن السعوديين "أوضحوا أن [التطبيع] سيتطلب هدوء في غزة ومسارا موثوقا به نحو دولة فلسطينية". 

ورجح بلينكن أن "إسرائيل غير قادرة أو غير راغبة في السير في هذا المسار خلال هذه اللحظة".

الظاهر أن طوفان الأقصى كان ضربة موجعة في خاصرة المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، حتى أننا سمعنا مسؤولين أمريكيين يقولون وبكل صراحة: أن صفقة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية "كانت في المتناول"، لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، قد تتراجع عن الاتفاق التاريخي بدلا من قبول مطالب الرياض بتقديم التزام جديد تجاه إقامة دولة فلسطينية ووقف حرب غزة.

والسؤال: كيف ستخرج الولايات المتحدة الأمريكية من هذا المأزق؟

هل بات ايجاد حل طويل الأمد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أمرا ثانويا أمام الحكومة الأمريكية مقارنة بهدفها القديم وهو تحقيق التطبيع بين الرياض و تل أبيب؟؟

وهل بات من غير الممكن للأمريكيين أن يقوموا بالجمع بين الهدفين؟ أم ستقوم الولايات المتحدة بالتغيير والتعديل على قواعد اللعبة؟

المتتبع لسيل التصريحات الأمريكية سيخرج بقناعة مفادها أن الأمريكان قاموا بحملة دعائية للترويج لحل الدولتين لم تتجاوز حد الكلمات والفهلوة الخطابية، خاصة ونحن نرى المعارضة العملية الأمريكية لهذا الحل. بدليل ماقامت به الحكومة الأمريكية من تهميش للشعب الفلسطيني خلال السنوات الماضية، فحثت وحضت ورعت ولعبت دورا مركزيا في بناء اتفاقيات ثنائية بين الدول العربية الراغبة في إقامة علاقات سلمية مع "إسرائيل". واستطاعت عمليا من التوسط لعقد اتفاقيات سلام وتطبيع مع بعض الدول العربية. بعد أن كان هناك رفض عربي عام لمثل هذه الاتفاقيات، وكان ثمة إصرار عربي على إيجاد حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. لكن وفي عهد ترامب، وببركة اتفاقيات أبراهام، قامت بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل". بعد التعهدات الأمريكية بعقد صفقات خاصة مع الولايات المتحدة.

دعونا نتكلم بمزيد من الوضوح ..  إن المتابع للتصريحات الأمريكية بشتى أنواعها سيلحظ أن هناك مسارين متعارضين في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للقضية الفلسطينية، أحدها: ربط تحقيق أمن وسلام إسرائيل والشرق الأوسط بحل الدولتين، وثانيهما: أن تحقيق السلام والاستقرار والأمن بطريقة أو بأخرى أمر ممكن من خلال الدوس على القضية الفلسطينية. 

ولكل مسار أنصاره وأيضاً مناهضوه.

هناك قناعة أمريكية بأنّ التقدّم الذي احرزته الإدارة الأمريكية نحو التكامل الإقليمي بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص كان أحد الأسباب التي دفعت حركة حماس للقيام بهجومها يوم السابع من أكتوبر؛ حتى أن الرئيس الأمريكي قالها بالحرف: " لا أملك أي دليل على ذلك؛ لكن حدسي ينبئني بذلك. ولا يمكننا التخلّي عن هذا الأمر".

ولعل سائلاً يسأل: لماذا يذهب بايدن إلى هذا الرأي ويفكر بهذه الطريقة؟

الإجابة ببساطة تكمن في أن الغرب يرى أن من معوقات تحقيق طموحاتهم واستراتيجاتهم تجاه أمن إسرائيل لا يمكن أن يتم مع وجود دائرة من العنف المستمر، والدمار والموت وفقدان الأمن.

لذا فإن باربرا ليف- المسؤولة بوزارة الخارجية- وصفت الوضع الراهن في غزة بـ"الفظيع" خاصة بالنسبة للفلسطينيين. وقالت: إنهم يعيشون "في حالة تجمع بين التعاسة والإحباط والغضب واليأس والخيبة. وهذه وصفة مريعة للتشدد والتطرف".

بعبارة أخرى: لن تهنأ الحكومة الإسرائيلية بالإنطلاق خارج حدودها الإقليمية مالم يكن الأمن قد ساد واستقر في الداخل الإسرائيلي، وهو ما لايمكن أن يكون مع وجود فصائل فلسطينية مسلحة تستطيع الضرب في العمق الإسرائيلي في كل لحظة.

الولايات المتحدة مهتمة جدا بسيادة الأمن الداخلي الإسرائيلي للانتقال إلى الخطوة التالية التي صار لها سنوات وهي تجهز لها وتكمن في اتفاقية سلام تجمع الرياض وتل أبيب على طاولة واحدة. 

يتمثل التحدي الأكبر أمام الرياض في كون أن (الأمريكان) باتوا مقتنعين تمام القناعة باستحالة تحقيق قيام دولة فلسطينية دائمة! بدليل قيامها بإعاقة جهود الأمم المتحدة في هذا الصدد. بل ويصرح المسؤولون في الإدارة الأمريكية بأن أي مشروع لقيام دولة فلسطينية سيكون مشروطا بكونها دولة منزوعة السلاح. 

وهاهو بايدن يلمح ويلوح بذلك في وقت سابق من هذا العام، حين قال: "تتعدد الأشكال الخاصة بحل الدولتين. فهناك عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة... التي لا تملك جيوشها الخاصة، وهناك عدد من الدول التي لا تملك حدوداً… لذا أعتقد بأن هناك طرقاً قد تؤدي إلى إنجاح هذه الخطة".

بمعنى آخر .. إن التحدي الأكبر أمام الرياض يكمن في أن ماجرى في غزة من فظائع لا يشكل بالنسبة للإدارة الأمريكية اي عائق أمام استمرارها في ضغوطها لعقد الاتفاقية المنشودة بين الجانبين السعودي والإسرائيلي. فغاية مافي الامر هو القضاء على القوة العسكرية في غزة مهما كانت تكلفة ذلك باهظة على الشعب الفلسطيني، ثم العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم مشروع حل دولتين مفرغ من مضمونه. ولا أعتقد أن الإدارة الأمريكية ستربط أي اتفاقيات مستقبلية بقيام دولة فلسطينية على الفور، بل ستحاول ترك الباب مفتوحا على مصراعيه.

إن الهدف الأساسي من التطبيع في وجهة النظر الأمريكية - كما صرح بلينكن في وقت سابق - وهو نفس الهدف من فكرة إنشاء دولة فلسطينية يكمن في: التأكد من أن أمن إسرائيل مضمون بشكل أفضل.

لا زالت الرياض تلوح بورقة الهدوء في غزة، وقيام دولة فلسطينية كشرط للجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى اتفاقية التطبيع التي تأمل الإدارة الأمريكية بإنجازها. مع أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أقر أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بأن إسرائيل لن تكون قادرة -أو الأصح- أنها غير راغبة في السير في هذا المسار حتى حينه؛ لكنها تعمل بكل ما أوتيت من قوة للقضاء -على حد زعمهم- على آخر معاقل حركة حماس في غزة ( رفح ). لتصبح رفح هي الرقم الصعب والعائق الأخير أمام الحكومة الأمريكية و الإسرائيلية للمضي قدما لتحقيق السلام في الشرق الأوسط (كما يصرح بذلك مسؤولون كبار في حكومة نتنياهو).

بالطبع إن مايجري في غزة قد يطول، وقد تكون له تأثيرات غير متوقعة ستؤثر على مايتم الترتيب له من اتفاقيات في المستقبل، لكنني على يقين أن السعودية لن ترضخ للضغط الأمريكي في عقد اتفاقية تطبيع مع تل أبيب مالم يتم الوصول إلى حل الدولتين - وأراه بعيداً-، لكنها في الوقت نفسه ستمضي قدما في اتفاقيات أخرى مع الجانب الأمريكي بما يخص الضمانات الأمنية الأميركية والمساعدة النووية المدنية.

الولايات المتحدة الأمريكية تحاول جاهدة تقديم حوافز لطرفي المعادلة لدفعهم قدما لتوقيع الاتفاقية، وفي الوقت ذاته قد تماطل الإدارة الأمريكية الرياض في توقيع اتفاقيات أخرى مع الجانب الأمريكي كورقة ضغط.

الأيام حبالى .. والأيام أطول من أهلها .. وإن موعدنا الصبح .. أليس الصبح بقريب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

شكرا أبا هيثم .. شكرا محمد الوكيل ،،

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..