قراءة| عبقرية صناعة الأهداف.. وزارة الصحة والعلامة التجارية .. الامتحان الصعب.
ما أصعب أن تكتشف أنك تسير في هذه الحياة بلا هدف ! وأنك تأكل وتشرب وتنام وليس لديك أدنى فكرة عما تريد تحقيقه!...
لا زلت أذكر وفي محاضرة لي في الجامعة (مرحلة الماجستير) في مادة إدارة الموارد البشرية المتقدمة سألنا الدكتور المحاضر فينا يومها سؤالا: ماهو هدفك في هذه الحياة؟ فكانت الأجوبة متفاوتة تدل على أنه سؤال مفاجيء لدى الكثيرين إلا شابا واحدا كانت إجابته: هدفي أن أدخل الجنة !
إجابة لفتت نظر الموجودين إلى هدف سام يحتاج كثيرا من التأمل والعمل. وصدق من قال: كن رجلا رجلك في الثرى وهمتك في الثريا .
إن تحديد الأهداف المستقبلية يرسم خطة العمل، ويحدد ماهية المهارات التي يجب أن يتم العمل على تحصيلها، فبعض الناس قد يعلم ما يريد؛ لكنه يجهل طريقة تحصيل ما يريد.
الأهداف في النهاية هي النتائج النهائية للنشاط المخطط له، وهي تخبرنا بما يجب تحقيقه من خلال الوقت والقياس الكمي إن أمكن.
في مقالنا السابق تحدثنا عن مهمة المنظمة Mission، واليوم سنتحدث عن الأهداف التي يعني تحقيقها إنجاز مهمة المنظمة. فحين تقوم المنظمة بعمل جيد في تحقيق مهمتها سيعيد المجتمع إلى المنظمة نتاج ما قدمته بتحقيق أهدافها.
حين زود Cadbury Schweppes المجتمع بالعلكة والحلوى والشاي المثلج والمشروبات الغازية، أصبح أكبر صانع حلويات في العالم من حيث المبيعات، خاصة أن أحد أهدافه الرئيسية كان يتمثل في زيادة المبيعات بنسبة 4٪ إلى 6٪ كل عام. وعلى الرغم من أن هوامش ربحه كانت أقل من منافسيه سواء في صناعة الحلويات والخاصة بشركة كـ Nestlé و Kraft و Wrigley ، أو منافسيه في المشروبات الغازية كـ Coca-Cola أو Pepsi ، فإن إدارة Cadbury Schweppes وضعت هدفًا لزيادة هوامش الربح من 10٪ في عام 2007 إلى 15% بحلول عام 2011 وهكذا دواليك.
غالبًا ما يستخدم مصطلح الهدف Objective بالتبادل مع مصطلح الغاية Goal؛ لكن المدرسة التي تتلمذت فيها تفرق بين المصطلحين. فعلى عكس الهدف فإننا نعتبر الغاية بمثابة بيان مفتوح لما يريد المرء تحقيقه، بدون تحديد كمي لما يجب تحقيقه، ولا توجد معايير زمنية للإنجاز. فمثلا بيان بسيط عن "زيادة الربحية" هو غاية وليس هدفًا؛ لأنه لا يوضح مقدار الربح الذي تريد المنظمة تحقيقه في العام المقبل. فيجب أن يكون الهدف الجيد عملي المنحى. وكمثال على الهدف يقال: زيادة ربحية الشركة في عام 2010 بنسبة 10٪ مقارنة بعام 2009.
هناك مجالات قد تحدد فيها المنظمة أهدافها وغاياتها من مثل: الربحية (صافي الأرباح)، والكفاءة (تكاليف منخفضة ، إلخ.)، والنمو (زيادة إجمالي الأصول والمبيعات وما إلى ذلك)، وثروة المساهمين (أرباح الأسهم بالإضافة إلى ارتفاع سعر السهم)، والعائد على الاستثمار (ROE أو ROI)، والسمعة (لتكون "منظمة" رفيعة المستوى)، ومايقدم من امتيازات للموظفين (الأمن الوظيفي ، الأجور ، التنوع)، أو للمجتمع (ضرائب مدفوعة، أو مشاركة في جمعيات خيرية، وتقديم منتج أو خدمة مطلوبة)، والريادة في السوق (الحصة السوقية)، والريادة التكنولوجية (ابتكارات ، ابداع)، والبقاء على قيد الحياة (تجنب الإفلاس)، والاحتياجات الشخصية للإدارة العليا (استخدام الشركة للأغراض الشخصية مثل توفير الوظائف للأقارب).
قد تسمع - أحيانا -أو تقرأ عبارة "الأهداف الإستراتيجية"، والتي تشير إلى ما هو حرج أو مهم في إستراتيجيتك التنظيمية. بعبارة أخرى هي أهداف تحاول تحقيقها في فترة زمنية معينة عادةً من 3 إلى 5 سنوات. والسؤال المهم هو كيف ستقوم المنظمة باختيار الأهداف الإستراتيجية الأفضل بالنسبة لها؟.
ليست العبرة بكثرة الكلام، لتجد أحيانا أن بطاقة الأداء لإحدى المنظمات قد تحوي مايزيد على الخمسين هدفا !.. هذا كثير جدا ..
يجب أن يتم التقاط واختيار مالايزيد عن ستة عشر هدفا كحد أقصى.
ويبقى السؤال قائما: كيف تعرف الأهداف المناسبة لمنظمتك؟
ببساطة فإن ذلك يعتمد على صناعتك واستراتيجيتك. فإجابة سؤال: ماهو عملك؟ سيحدد أهدافك، فمثلا إذا كانت المنظمة تعمل في صناعة سريعة النمو مثل: تكنولوجيا المعلومات، أو الخدمات الفنية أو الإنشاءات، فيجب عليك اختيار الأهداف التي تتوافق مع أهداف النمو الخاصة بك وتشمل التحرك في اتجاه إيجابي، فقد يشمل ذلك إطلاق منتج جديد، أو زيادة إجمالي الإيرادات خلال العام المقبل. أما في حين أن المنظمة كانت تعمل في صناعة بطيئة النمو، مثل تصنيع السكر أو إنتاج الطاقة من الفحم، فالمنظمة معنية باختيار أهداف الشركة التي تركز على حماية أصولها وإدارة نفقاتها، مثل تقليل التكاليف الإدارية بنسبة معينة.
الأهداف الاستراتيجية يتم تحديدها بناء على الاستراتيجية التي تتبناها المنظمة، ولا يعني التشابه بين أعمال المنظمات وكونها تعمل في نفس المجال أن تتشابه الاستراتيجيات المعتمدة فيها، إذ يمكن لمنظمتين أن تكونا متشابهتين في نفس الصناعة ولهما استراتيجيتان مختلفتان تمامًا، وبالتالي وعلى ضوء الاختلاف في الاستراتيجية سيكون الاختلاف في تحديد الأهداف.
بالنسبة للرعاية الصحية والأهداف الإستراتيجية فيها فإن صناعة الرعاية الصحية تتغير باستمرار. ومع ذلك فمن الأهمية بمكان أن تستمر مؤسسات الرعاية الصحية في تقديم رعاية فعالة وموثوقة حتى مع تطور بعض العوامل الخارجية - كالممارسات الطبية والتكنولوجيا واللوائح الحكومية -. فالأمر هنا يتعلق باتباع نهج استباقي لبناء "علامة تجارية طبية" واقية من المستقبل، فمع اتباع نهج استراتيجي جيد، ستأتي مزايا كبيرة لعملك الطبي، فهو يحصن عملك الطبي من المخاطر غير المتوقعة بل ويوفر لك خطة جيدة الإعداد لما يجب القيام به في مواجهة حالة عدم اليقين.
لذلك وعلى الرغم من أن مؤسسات الرعاية الصحية لا يمكنها دائمًا التنبؤ (أو التحكم) في المستقبل، فإن التخطيط الاستراتيجي هو أفضل طريقة يمكن أن تساعد الاتجاهات الاقتصادية والسياسات الحكومية والتقدم التكنولوجي في توفير سياق لأهداف الرعاية الصحية. ولكن كل منظمة تحتاج إلى النظر في ما ترغب في تحقيقه بشكل استراتيجي.
حين تنظر إلى وتيرة العمل التي تجري في وزارة الصحة في الأردن تلمس وبوضوح وجود هدف واضح لدى فريق صناع القرار فيها وهو: إنشاء علامة تجارية للرعاية الصحية! ..
وقبل أن يذهب القاريء بعيدا في فهم عبارتي فإنني أقول:
العلامة التجارية هي شعور عميلك تجاه ماتقدمه، وما يجعلك فريدًا في عيون الناس. فالعلامة التجارية ليست شعارك، وليست إعلاناتك أو حملتك التسويقية ..العلامة التجارية شعور !! فأحكامنا وقراراتنا الشرائية مبنية على الثقة وليس العقلانية.
والسؤال: كيف تبني وزارة الصحة جسرا متينا من الثقة بينها وبين الناس! ... كيف نصنع علامة تجارية في وزارة الصحة تكون علامة فريدة من نوعها بطريقة تجعلها مميزة وبشكل جذري، وتضيف قيمة، وتعزز التجربة لمتلقي الخدمة.
وكما يقول مارتي نيومير: إنشاء الثقة هو الهدف الأساسي لتصميم العلامة التجارية ... الثقة هي الاختصار النهائي لقرار الشراء والأساس المتين للعلامة التجارية الحديثة.
يوما ما ستستكمل وزارة الصحة إطلاق علامتها التجارية الطبية بفضل جهود فريق يعي معنى ذلك.
إذا لم تكن علامتنا التجارية للرعاية الصحية مدفوعة بهدف، فلن ينضم إليها الأشخاص. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن تتجه نحو هدف أو رؤية ملموسة. لكن غالبا وللأسف ما يتم التعامل مع كلمات كالرؤية والمهمة والهدف في المنظمات كديكور وليس كبوصلة تسعى لتأسيس علامة تجارية.
العلامة التجارية لوزارة الصحة تستمد قوتها من قيم جمهورها، فإن لم تكن تعكس مايعتقدون فلن تكسب ولاءهم. فإذا كنت شخصًا شديد الحذر وكنت أقدر السلامة، فسيكون المستشفى الذي أذهب إليه أكثر صحة، وهو المستشفى الخالي من المخاطر. وإذا كنت أرغب في تجنب رعب الأسنان فسأختار أفضل عيادة أسنان لأرتادها، وأخوض تجربة طب الأسنان غير المؤلمة.
للحديث تتمة بعون الله.. دمتم بخير
تعليقات
إرسال تعليق