قراءة | تأملات السمعاني في كلمات خطاب العرش السامي ( الحلقة الثالثة: المسار الإداري )
أكد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في خطاب العرش السامي على ضرورة “التحديث الشامل”، محددا المسارات الثلاثة التي سيتحقق من خلالها هذا التحديث: السياسي، والاقتصادي، والإداري.
وفي خلال ترأس جلالته جانبا من مجلس الوزراء أمس الأربعاء عاد ليؤكد على أن هذه المسارات هي “مشروع دولة”.
بل إن جلالته وجه رسالة مباشرة للجميع مفادها: لا تراخي ولا تراجع!.. فهذا خيار ” ليس مقبولا”.
رسالة تحمل في طياتها الكثير .. هزت كافة الكراسي .. فلا مكان اليوم للمتراخي، ولا لمن اعتلى الكرسي للمشيخة!.
كانت عبارة جلالته أوضح من الشمس في رابعة النهار، حين أكد على أن تقييم أعمال الوزراء سيكون “بناءً على تحقيق أهداف وزاراتهم ومساري التحديث الاقتصادي والإداري” ..
هنا الأردن، والزمان هو ٢٠٢٢، وصاحب الكلمة هو أبو الحسين، و”المسؤول الذي ليس بحجم المسؤولية عليه أن ينسحب كي لا يؤخر الفريق”.
سبق وكتبت حول مسارين: المسار السياسي والاخر الاقتصادي .. « .. وهذان المساران لا يكتملان دون إدارة عامة كفؤة، توفر أفضل الخدمات للمواطنين وتعتمد التكنولوجيا الحديثة وسيلة لتسريع الإنجاز ورفع مستوى الإنتاجية.».
الحديث عن تحديث الإدارة العامة يعيدنا إلى الوراء ..
يعيدنا إلى ذكرى عشرات الاستراتيجيات والخطط التي كان هدفها النهوض بالقطاع العام.
ولكن للأسف فإن المواطن الأردني لا يزال يعتقد أن هذه الاستراتيجيات والخطط ستبقى حبيسة الأدراج، فلا هي تم تنفيذها، ولا حتى أمكن قياس مؤشرات تؤكد أو تنفي فعاليتها.
فهل تستطيع حكومة الدكتور بشر الخصاونة أن تغير هذا الاعتقاد؟
وهل هي قادرة على أن تثبت ماترسخ في ذهن المواطن الأردني عبر سنوات وسنوات من انعدام الثقة تجاه الحكومات المتعاقبة؟.
لا زلت أذكر عبارة جلالته خلال استماعه إلى إيجاز من لجنة تحديث القطاع العام عن المخرجات، حين قال:” إن الغاية والهدف النهائي من تحديث القطاع العام تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ورفع كفاءة الإدارة العامة”.
إن التوجهات الملكية واضحة وصريحة وجازمة في أن الإدارة العامة مرتكز أساسي في الإصلاح؛ وخاصة الإدارة الأردنية التي كانت دائماً في طليعة دول المنطقة في الكفاءات والخبرات الجيدة.
وقد أكد رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة مرارا أن توجه الحكومة هو: تشكيل لجنة لتحديث المنظومة الإدارية؛ لتحقيق التوازن المطلوب بين متطلبات الرقابة والمرونة اللازمة في الإدارة.
في لقاء الأمس الأربعاء استمعت الحكومة إلى لفتة نظر من جلالته مفادها أن كل وزير مطالب ببناء قدرات وزارته لتحقيق أهدافها وبرامجها لتحقيق التحديث الاقتصادي والإداري، وأن تقييم أعمالهم سيكون على أساسها.
لقد فهم الجميع رسالة جلالة الملك .. فلا مكان اليوم للتقاعس أو التردد .. ومن هنا كان كلام دولة الرئيس منسجما مع توجيهات جلالة الملك إذ التزم وألزم حكومته بالعمل وفق برنامج تنفيذي وزمني واضح، مؤكدا التزام الحكومة برفع تقرير دوري لجلالته يبين سير العمل.
لقد بات صناع القرار أمام تحد صعب .. إنه الاختيار الواعي للبديل الصالح بين مجموعة من البدائل المتاحة.
لم يعد ثمة مكان إلا للاختيار القائم على أسس موضوعية.
لا بد من تبني ثقافة مؤسسية جديدة تواكب تقنيات المستقبل، ولا بد من ترسيخ الفهم لدى الموظف بأن إسهاماته في العمل تحدث تغييراً إيجابياً.
كيف يمكن من خلال العلاقات الوظيفية بناء بيئة عمل مريحة؟ لا ينبغي أبدا التقليل من أهمية التصرفات الفردية، فبعض الممارسات التي يتبعها الأفراد، تؤثر سلبا في جودة بيئة العمل وتحقيق الراحة الوظيفية.
لكن بالمقابل فعلى هذا الموظف أن تترسخ لديه ثقافة التفاني في خدمة المواطنين الذين يرتادون المؤسسات الحكومية التي هو أحد لبناتها ..
ينبغي على الحكومة أن تفكر بطريقة ابتكارية وإبداعية،
فمثلا: متى سيتم تقليص أعداد المراجعين للدوائر الحكومية؟
ليس تخفيفا على الموظفين، بل على المواطنين الذين يضيعون وقتهم في مراجعة الإدارات الحكومية !
فإلى متى سيبقى مقياس مستوى العمل في الوزارات مرتبط بكثرة الزحام والمراجعين، في حين أن الإنجاز وأداء الموظف وإنتاجه ليس مهما.
تخيلوا معي – فرضا- أن عدد المراجعين للدوائر الحكومية يوميا هو ٨٠٠٠ مواطن، كم ستشهد شوارعنا تراجعا في أعداد السيارات في الصباح أو ساعات العمل؟ وكم سنوفر على جيب المواطن الكادح؟
رسالة: متى ما كان المواطن في ارتياح تام، ويجد ما يحتاج إليه، وينجز أعماله بكل سهولة، ولا توجد أية مفاضلة في التعامل، وتتوافر له العدالة الاجتماعية، ياترى هل سيهتم بمن هو أغنى منه إن كان يسرق أو ينهب، ما دام أن النظام أساس التعامل؟!
على القائد أن يختار فريقه بعناية، وأن يبني بينهم جسورا من الود والتفاهم، وأن يرسخ في أذهانهم حب التفاني والعمل لرفعة وطن، حينها فقط سننتصر على أنفسنا.
تعليقات
إرسال تعليق