تأملات السمعاني في كلمات خطاب العرش السامي .. ( الحلقة الأولى)

 استمعت الأحد إلى خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة التاسع عشر، وكان من كلمات جلالة الملك في خطابه قوله:

«وعلى مؤسسات الدولة تبني مفهوماً جديداً للإنجاز الوطني يلمس نتائجه المواطنون، ولن نقبل بالتراجع أو التردد في تنفيذ هذه الأهداف.»
وحين يتكلم أبو الحسين فحري بالجميع أن يتتبع حركات شفاهه فلا يضيع حركة فضلا عن كلمة.
فأبو الحسين هنا يصيغ الجمل بكل عناية .. ويرسم استراتيجية عميقة بل عميقة جدا ..
جلالته يقرر أن الحكومة أمام مرحلة جديدة .. مرحلة تتبنى فيها إنجازاً ليس كأي إنجاز .. إنجازاً يكون الحكم بنجاحه أو عدمه من خلال النتائج التي على الأرض .. نتائج لا يتغنى بها المسؤولون بل يراها ويلمسها ويشاهدها المواطن في كل مكان.
بعبارة أخرى: دعوا المواطن يتكلم عن ثمار خططكم .. ويرى تحقيق أهدافكم ..
وهذا يقودنا إلى أن تراجع كل وزارة من الوزارات أهدافها ..
لم يعد ثمة مكان للعبارات البراقة التي لا رصيد لها من الواقع والتي تطرز بها جدران المؤسسات عن الرؤية والرسالة والأهداف .
على الجميع أن يراجع ما كتب أو علق على الجدران ويحسم أمره، هل هذا المكتوب واقعي؟ وهل يمكن تحقيقه؟ وهل تم وضع استراتيجية واضحة للتنفيذ؟
أكاد أجزم أن القلة القليلة هم من طالعوا هذا المكتوب، والأقل منهم هم من تدبروه.
جلالة الملك - حفظه الله - تكلم عن التحديث السياسي ..
ولطالما سمعنا الكثيرين يتكلمون عن مظاهر الحياة السياسية وسبل نجاحها .. لكن الكلام هذه المرة من جلالته مختلف .. فجلالة الملك يحدد ويوضح أن لا حياة سياسية دون مشاركة شعبية واسعة فيها! ..
والسؤال: كيف ستتكفل الحكومة بتحقيق هذه المشاركة؟
كيف سيتم إقناع الناس في الأردن بضرورة المشاركة في الحياة السياسية؟
الماضي مؤلم .. والتجربة الحزبية - برأيي المتواضع - لا زالت في غرفة الخداج.
فكيف ستفعل حكومة الدكتور بشر الخصاونة لكي تعيد ثقة المواطن بالأحزاب وتضمن مشاركته فيها؟!
أكبر خطورة في المشاركة الحزبية والعمل الحزبي تكمن في وقوع بعض الأحزاب أو منتميها في آفة نسيانه مواطنته ويصبح أسير حزبيته.
فلا ولاء عنده ولا براء إلا فيما يرى حزبه وإن ضحى بسلامة الوطن.
من هنا لفت جلالة الملك النظر إلى «الأحزاب البرامجية» .. فمن خلال البرامج الوطنية الواضحة التي تؤكد أن الحزب قد جعل مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، وأن كافة أهدافه ترمي إلى النهوض بالوطن والمواطن يكون صمام الأمان لكي لا تخرج العملية السياسية الحزبية عن الجادة إلى مهاوي الردى.
في مسيرتنا المهنية شاهدنا حزبيين انساقوا خلف حزبيتهم بعيدا جدا حتى بات أمن الوطن والمواطن آخر اهتماماتهم مادام حزبهم وشريكهم في الحزب بكل خير .. هكذا كانوا يظنون مع أني لا أدري كيف سيتحقق خير لهم على أنقاض وطن.
لن تنجح الحياة الحزبية إلا إذا كان التنافس على رفعة وطن، وعلو مواطن.
أما أن يصبح الشعار عند البعض:
َومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
فهذا منهج جاهلي بغيض يجسد ذوبان رأي الفرد في حزبه وإن خالف الحق واقتفى أثر الضلال، ليصبح معيار الأخلاق والمباديء ما قام به الحزب وانتهي الرأي إليه ..
مسلك يقضى على التفكير والإبداع وينمي ظاهرة التقليد والتبعية.
ورضي الله عن علي بن أبي طالب حين بين في بعض وصاياه أن القلوب أوعية وخيرها أوعاها للخير.
وقسم الناس إلى ثلاثة أقسام، وذكر منهم: قسم الهمج الرعاع أتباع كل ناعق .. الذين لم يستضيئوا بنور العلم،ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
فلابد للمرء من عقل يهتدي به في ضوء برنامج حزبي سليم يحتمى به، فلا العقل المجرد يحمي صاحبه، ولا الذوبان مع الغير على الحق والباطل هو العاصم.
وإلا فإننا سنشهد نهاية الفرد أمام قيام سلطة الحزب، وهو يختلف تمامًا عن الرؤية التي يريدها جلالة الملك للفرد والحزب باعتباره التمثيل العام الأكثر اتساعًا للأفراد.
ففي رايي ثمة فارق جوهري بين مايريده جلالة الملك من العملية السياسية من خلال الأحزاب، كأنظمة تمثيلية تقوم على الحرية والمساواة والقانون.
وبين ما أدندن حوله - وأخشاه - ووقع فيه الكثيرون بأن أصبحوا تنظيما مجتمعيا مغلقا يقوم على العصبية !!
هنا تكمن الحنكة الحكومية في تجاوز هذا الفارق الذي يبدو أمامي أدق من الشعر وأحد من السيف.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة| فكر أسود عابر للقرون .. "القرامطة" يضربون من جديد ..

قراءة | الخاصرة الرخوة في حكومة دولة بشر الخصاونة ..

حين لا تبقى فائدة من البقاء .. بادر بالرحيل .. فأرض الله واسعة